هناك من يقدر أن القطاع الخاص يستحوذ على النسبة الثالثة من المياه المتاحة بعد القطاع الزراعي الذي يلتهم ما نسبته ٪90 من مصادر المياه السطحية والجوفية، يليه استخدامات مياه الشرب الذي يصل تقريبا ٪7 ، أما ما يناله القطاع الصناعي والسياحي لايزيد على 3% .
وهذا يعني أن القطاع الصناعي لايزال يحبوا في بلادنا، ولايزال القطاع الزراعي يفرط في استخدام المياه دون تقنين، كما أن الاحتياجات الأساسية من مياه الشرب النظيفة لاتزال بعيدة المنال عن الكثير من سكان اليمن، فالتغطية في المدن لم تزد عن نسبة 56 من احتياجات السكان وفي الريف لم تزد عن ٪30 .
إذاً نحن أمام خلٍل كبير في الموازنة المائية من ناحية ، وأمام مشكلة استنزاف ونضوب المصادر من ناحية أخرى، مما يجعل الوضع معقدا على كل الجوانب إذا لم يكن هناك تدارك حقيقي من كل الجهات المعنية بما في ذلك القطاع الخاص .
هنا نسمع ونقرأ عن الترحيب بالاستثمارات التنموية، هل الجهات المعنية تضع في الاعتبار المياه كعنصر أساسي في ديمومة هذه الاستثمارات.
إن مشكلة المياه في اليمن أكبر من قدرات الدولة على إيجاد حلول عملية لها، مالم تكن هناك مشاركة وإحساس ورغبة جادة لحل هذه المشكلة والتفكير باستثمارات كبيرة في هذا القطاع.
وحان الوقت أن يتم التنسيق التشاركي مع القطاع الخاص، ليس لاستغلال بيع المياه والسعي للكسب الجشع ، وإنما التعامل مع القضية من منطلق العمل لاستمرار الحياة في كل نواحيها التي ترتكز أساساً على المياه ( المياه أساس الحياة).
إن نجاح العملية التنموية رهن بمدى قدرة قطاعات المجتمع على تجاوز المشاكل والصعوبات التي تقف أمام مسيرة التنمية.
وتمثل إدارة المياه أحد أهم تلك التحديات. فالتقليل من مخاطر شح المياه يعتمد على كفاءة إدارة هذه الثروة الهامة في سائر القطاعات ومنها القطاع الخاص، الذي أصبح له وجود ملموس في خارطة الاستخدام المائي، سواء عن طريق الاستخدام في المرافق المختلفة أو عن طريق البيع المباشر للمياه. ومن هنا تبرز أهمية التعامل مع القطاع الخاص كمستخدم وكمستثمر للمياه، فإذا كان مستخدما فإن معايير الترشيد وتنمية مصادر جديدة مطلوبة منه، وإذا كان مستثمرا فالمؤمل منه الدخول في هذا المجال للمساهمة في إقامة مشروعات تسهم في التقليل من شحة المياه.
وعلى حد علمي انه كان هناك توجه منذ عام 2005 للشراكة في مجال تحلية المياه من خلال مرافق ومؤسسات المياه، عن طريق مساهمة هذه المؤسسات ولو بحصص بسيطة تمولها من حسابات الإهلاك، وأن يتم تنظيم هذه العملية من خلال إنشاء مؤسسة تختص بموضوع التحلية، وتكون رديفا فنيا واستثماريا لمؤسسات المياه الراغبة في التعاقد مع القطاع الخاص لمدها بمياه محلاة وبأسعار أفضل، وبما يساعد على بناء الخبرة الوطنية في مجال التحلية وتراكمها في إطار مؤسسي.
وينظر الخبراء باهتمام لهذه المشاركة كونها ستهيئ الفرصة لخفض الدعم وتسهم في ضخ استثمارات جديدة بعيدة عن الموازنة العامة للدولة مما يعطي فرصة أكبر لتوجيه مزيد من الاعتمادات إلى المناطق المحرومة بالإضافة الى إدخال أحدث التكنولوجيا والأنظمة الإدارية.
ففي بعض الدول تبرز مشاركة القطاع الخاص من خلال التعاقد مع شركات ذات خبرة في إدارة مرافق المياه فنيا وإداريا تقوم بإدارة أصول ومرافق الحكومة (عقود إدارة). ومثل هذه الدول تشجع المشاركة وليس الخصخصة لأن قطاع المياه من القطاعات الحيوية التي تمس بحق المواطن في الحصول على مياه شرب نقية، بل إن عددا من الخبراء يرون في خصخصة قطاع المياه عملا متهورا سيواجه بمعارضة من قبل المستهلكين، ومؤخرا ظهرت العديد من العيوب في عملية خصخصة مرافق المياه والصرف الصحي، حتى أن بعض الدول الغربية التي كانت قد تبنت هذا التوجه في الثمانينات قد عادت عنه مؤخراً (بريطانيا مثلاً). كما تكونت في كثير من البلدان مجموعات ضغط تعارض الخصخصة، وتعبر تلك الجماعات عن اعتراضها في المحافل الدولية، وشاهدت ذلك في المنتدى العالمي للمياه الذي عقد في مدينة لاهاي الهولندية عام 2000م وفي الجلسة الافتتاحية أثناء إلقاء (د. محمود أبوزيد) كلمته كرئيس المنتدى العالمي للمياه، قام عدد من المتظاهرين بالتشويش على المؤتمر احتجاجا على خصخصة المياه وبناء السدود على الأنهار... وحدث احتجاج جديد من نوعه عندما صعد رجل وامرأة إلى المنصة وقاما بنزع ملابسهما ووقفا عاريين تماما وقد كتبا على جسديهما عبارات مناهضة لخصخصة المياه مثل (النجدة... أوقفوا الخصخصة.. أوقفوا بناء السدود).
وفي بعض الدول العربية تم توقيع "عقود إداريه" مع شركات محلية ودولية أنيطت بها إدارة مرافق المياه، كالأردن على سبيل المثال حيث تدار مياه مدينة عمان من قبل إتلاف من شركات دولية ومحلية، كما أنيطت مهمة إدارة مرافق المياه والصرف الصحي في شمال الأردن لإحدى الشركات العالمية التي تقوم بتشغيل وصيانة وإدارة هذه المرافق في محافظات الشمال الأربع. وعقود الإدارة تحفظ للدولة ملكية الأصول والممتلكات، لكنها توكل إدارة وتشغيل مصادر المياه (الآبار الإنتاجية) وشبكات المياه والصرف الصحي ومحطات معالجة المجاري إلى شركة خاصة ذات خبرة بهدف تقليص الفاقد من المياه وزيادة كفاءة تحصيل المستحقات التي على المشتركين. ويعتمد العائد الذي تحصل عليه الشركة الخاصة على مقدار التحسن الذي يتحقق في تخفيف الفاقد وتحصيل الإيرادات، بالإضافة الى عدد كبير من المؤشرات الأخرى.
وفي اليمن كما أشرنا سابقا هناك تدن في نسبة المشمولين بخدمة المياه . ورغم أن لدى الحكومة خططا لرفع هذه النسبة إلا أن التحدي هو كيف يمكن القيام بذلك بتكلفة معقولة وبطريقة قابلة للاستدامة. وهنا يأتي دور القطاع الخاص الذي يمكن أن يسهم في رفع مستوى الخدمة عن طريق الاستثمار في هذا المجال.
وتركز سياسة وأجهزة إصلاح قطاع مياه الحضر على تشجيع دور القطاع الخاص، والحقيقة أن القطاع الخاص في اليمن مشهود له بالدور الفعال من خلال الاستثمارات الخاصة في إمدادات المياه (فهو مثلا يمد نحو ثلثي سكان مدينة صنعاء بالمياه) كما أن هناك عدة مدن تحصل على مياهها بالكامل من شبكات خاصة.
وبالرغم من إسهام القطاع الخاص في سد الفجوة الخدمية في مجال المياه المنزلية إلا أن دوره في مجال ري المزروعات ذات المردود العالي (مثل القات) أصبح سبباً في تفاقم مشكلة استنزاف المياه في عدد من المناطق مثل رداع والضالع ومناطق أخرى. كما أن الخدمات التي يقدمها في مجال المياه المنزلية تكون في كثير من الحالات رديئة وعالية التكاليف وغير منتظمة.. وإذا كانت هذه الخدمة مقبولة لتلبية الحاجات الأساسية للشرب والاستخدامات المنزلية في الوقت الحاضر، فإن استمرار نموها وانتشارها بدون دراسة وتنظيم سوف يؤثر سلبا على مصادر المياه وحياة السكان معا.
ولذلك ينبغي اتخاذ الإجراءات الضرورية لتطوير دور القطاع الخاص من أجل رفع نسبة الخدمة وتقليص التكاليف. ومما يمكن عمله في هذا الصدد وضع تشريعات (لوائح ونظم) تبين على وجه الدقة حقوق وواجبات القطاع الخاص في مجال مد المدن بالمياه، كأن تحدد منطقة معينة يكون لصاحب الامتياز وحده حق استخراج المياه الجوفية منها. ويرى بعض الخبراء أن مثل هذا الأسلوب سيحفز على الحفاظ على المياه وحمايتها من الاستنزاف وفق نظام (التنظيم البسيط - بالاستثناء) يحمي الصالح العام ويكفل استغلال الموارد بمعدلات قابلة للاستمرار.
ومن الأمور الهامة ذات العلا قه بالمياه الجوفية وحمايتها من التلوث عند التعامل مع القطاع الخاص حث هذا القطاع على معالجة المياه الصناعية العادمة وذلك لمنع تسربها للمياه الجوفية ومنع وقوع كارثة بيئية وصحية.
موقع معلوماتي ترويجي وخدمي؛ تأسس عام 2004 يواكب جديد الشركات والأعمال ويهتم بالأخبار الاقتصادية في كافة المجالات.. من : مؤسسة الاستثمار للصحافة والتنمية
الاستثمار نت :
من نحن؟
تواصل معنا
هيئة التحرير
محرك بحث دولي للأخبار الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وأطلق في أكتوبر 2017