تتضمن القرارات الدستورية الأخيرة لفريق التنمية في مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها، قراراً بالنص في الدستور اليمني الجديد "ترعى الدولة حرية التجارة – أي الخارجية والداخلية- والاستثمار وتحمي المشروعات بما يخدم الاقتصاد الوطني وتصدر تشريعات بمنع الاحتكار بكل أنواعه وتشجع رؤوس الأموال الخاصة على الاستثمار في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقا للقانون"، الأمر الذي يتطلب مناقشته بصورة موضوعية كون هذا القرار يعود بالاقتصاد اليمني إلى المربع الأول.
ففي دستور 1991م، نصت المادة التاسعة منه "توجه الدولة التجارة الخارجية وتعمل على تطويرها ورفع فاعليتها وتطويعها لخدمة الاقتصاد الوطني، وتشرف على التجارة الداخلية بهدف حماية المستهلكين وتوفير السلع الأساسية للمواطنين". وخلال التعديلات الدستورية في عام 1994،تم تعديل هذه المادة لتحل محلها المادة 10والتي نصت على "ترعى الدولة التجارة الخارجية وتشجع التجارة الداخلية والاسـتـثـمـار بما يخـدم الاقـتـصـاد الوطنـي...". كما شملت التعديلات الدستورية في عام 2001م تعديل المادة 10 بصورة جذرية ليصبح نصها في الدستور الساري "ترعى الدولة حرية التجارة والاسـتـثـمـار، وذلك بما يخـدم الاقـتـصـاد الوطنـي، ..."، وتمثلت مبررات تعديل هذه المادة في مواكبة برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والذي كان من ابرز معالمه تحرير التجارة استنادا لنص المادة 7 من الدستور.
واستناداً لهذه التعديلات،قامت الحكومات اليمنية بإزالة أو تخفيض القيود المباشرة وغير المباشرة، والتعريفية وغير التعريفية، على حرية الاستيراد والتصدير، وكذلك تخفيض التعريفة الجمركية على الواردات السلعية من 15 حزمة تتراوح تعريفتها الجمركية بين 5% و200% إلى ثلاث فئات تعريفية أساسية فقط 5% 10% 15%. إلى جانب الإلغاء الكامل لرخص الاستيراد والتصدير وتحرير الأسعار لتحدد وفق آلية السوق، وإطلاق صلاحية البنوك التجارية لفتح اعتمادات الاستيراد والتصدير وحرية التعامل بالنقد الأجنبي وتحويله إلى الخارج،الأمر الذي ساهم في فتح السوق اليمنية للسلع والخدمات الأجنبية،لتصبح اليمن من أكثر الاقتصاديات انفتاحاً على الخارج بين الدول الأقل نمواً والنامية وفقاً للتقارير الدولية. بالإضافة إلى مراجعة القوانين المنظمة للتجارة الخارجية والتي كان آخرها صدور قانون جديد للتجارة الخارجية في عام 2007م، وإصدار لائحته التنفيذية خلال عام 2010م وبما يتفق مع قواعد التجارة الدولية لمنظمة التجارة العالمية وخطوات انضمام اليمن إليها. وتم كذلك إنشاء قطاع جديد للتجارة الخارجية في وزارة الصناعة والتجارة، وتسهيل إجراءات الإفراج الجمركي لتسهيل عمليات التبادل التجاري.
وبصورة عامة، كان لهذه التعديلات الدستورية انعكاساتها السلبية على الاقتصاد اليمني وإنتاجيته، خاصة وأن تحرير التجارة الخارجية تم بشكل كامل، وبصورة فجائية وغير منظمة وغير رشيدة، وما ترتب على ذلك من بروز العديد من الظواهر السلبية التي تتعارض مع آليات السوق وقواعد وأصول المنافسة الشريفة، مثل الاستيراد من غير بلد المنشأ، بحيث احتلت دولة الإمارات العربية المرتبة الأولى من حيث قيمة الواردات السلعية منها وذلك بما نسبته 29% عام 2008م وحوالي 18% عام 2009، في المقابل فإنه رغم احتلال الصين المرتبة الثانية، إلا أن قيمة الواردات منها لم تشكل سوى 7% و8.2% تقريباً على التوالي. اضافة إلى تفشي ظاهرة التهريب والتهرب الجمركي وإغراق السوق اليمنية بالعديد من السلع والمنتجات الرديئة الغير صالحة للاستخدام في بعض الأحيان، لتصبح مسألة الإغراق ظاهرة واسعة النطاق خاصة في ظل ضعف أداء الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس من ناحية، وعدم وجود إطار قانوني وتنظيمي مؤسسي مستقل لمكافحة الإغراق.
كما تعرضت معظم المنتجات المصنعة محلياً إلى منافسة شديدة من قبل مثيلاتها المستوردة التي أغرقت السوق اليمنية، وبالتالي عدم قدرة الصناعات المحلية، بوجه عام، على الصمود والمنافسة في موطنها فضلاً عن الأسواق الخارجية، بحيث اضطرت بعض المنشآت الصناعية اليمنية إلى التوقف وتسريح عمالها. وتشير البيانات إلى أن انخفاض نسبة مساهمة الصناعات التحويلية (عدا تكرير النفط) في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 11.2% كمتوسط سنوي خلال الفترة 1990-1994م إلى 9.5% كمتوسط سنوي للفترة 1995-2001، كذلك انخفضت متوسطات معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصناعي على التوالي من 37.4% إلى 16.4%. ورغم التحسن النسبي في معدلات النمو خلال الفترة 2001-2010 بتحقيقها 18.5% إلا أن نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي واصلت انخفاضها خلال هذه الفترة إلى 5.7% فقط.
وبالنسبة لليمن، تستمد التجارة الخارجية أهميتها من كبر مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وباعتبارها المرآة التي تعكس مستوى وأداء الاقتصاد اليمني في مجال إنتاج السلع الغذائية والمصنعة التي تلبي احتياجات السكان، ومدى قدرتها على منافسة السلع والمنتجات الأجنبية المستوردة في الأسواق المحلية، وفي الوقت نفسه مدى قدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية. فقد ارتفعت درجة انكشاف الاقتصاد اليمني، وبالتالي مدى اعتماده على العالم الخارجي، من 52.7% كمتوسط سنوي للفترة 2000-2005م إلى 54.8% خلال الفترة التالية 2006-2009م، مشيرةً بذلك إلى ضعف وتدني مستوى القدرات الإنتاجية المحلية، وبالتالي عدم قدرتها من ناحية على تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، ومن عدم قدرتها على منافسة المنتجات والسلع الأجنبية المستوردة في الأسواق المحلية أو في الأسواق الخارجية، في ظل ضيق قاعدة الإنتاج الوطنية وعدم تنوع مصادر الدخل الوطني، وبالتالي استمرار الاعتماد المفرط على صادرات النفط الخام المتزامن مع تراجع كميات الإنتاج بصورة مستمرة خلال الفترة 2006-2010م. إلى جانب شدة حساسية الاقتصاد اليمني لأي تغيرات في العوامل الداخلية والخارجية مثل تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية، والزيادات الكبيرة التي تحدث بين فترة وأخرى في أسعار بعض السلع والمنتجات الأساسية المستوردة، خاصة في ظل اعتماد الاقتصاد اليمني بصورة مفرطة على العالم الخارجي في تلبية احتياجاته الأساسية الغذائية والمشروبات.
فقد ارتفعت قيمة واردات اليمن الزراعية تقريباً من 779 مليون دولار عام 2000م إلى حوالي 2,265 مليون دولار كمتوسط لعامي 2008-2009م ، كما بلغ إجمالي هذه الواردات خلال الفترة 2007-2009 حوالي 6,453 مليون دولار مقابل 689 مليون دولار فقط للصادرات الزراعية خلال الفترة نفسها، ليبلغ صافي العجز في الواردات الزراعية حوالي 5,764 مليون دولار، الأمر الذي ساهم في ارتفاع نصيب الفرد من هذا العجز إلى 88 دولار مقارنة بـ 52 دولاراً فقط في عام 2006م.
نخلص إلى القول بضرورة وأهمية المراجعة الموضوعية لمثل هذه القرارات، آخذين في الاعتبار ما يعانيه الاقتصاد اليمني من ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وضيق فرص التشغيل والعمل لدى القطاعين الخاص والعام، وكذلك ضيق فرص الاستثمار، فإنه يمكن للتجارة الخارجية المساهمة في استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة بكفاءة خاصته إذا ما تمكن الاقتصاد اليمني من تحويل مجموعة المميزات النسبية التي يتمتع بها إلى مميزات تنافسية.
موقع معلوماتي ترويجي وخدمي؛ تأسس عام 2004 يواكب جديد الشركات والأعمال ويهتم بالأخبار الاقتصادية في كافة المجالات.. من : مؤسسة الاستثمار للصحافة والتنمية
الاستثمار نت :
من نحن؟
تواصل معنا
هيئة التحرير
محرك بحث دولي للأخبار الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وأطلق في أكتوبر 2017