آراء وأقلام نُشر

الحروب الاقتصادية

 
إحدى الحروب المنتشرة في التاريخ الحديث الحرب الاقتصادية، وهي حرب لايطلق فيها رصاص ولا يسمع لها دوي تقوم بين الدول كما تنشأ بين الشركات، وفي الحالة قد تكون جزءاً من حرب شاملة وقد لاتكون، غير أن هدفها في النهاية إضعاف الدولة الخصم أو تعظيم المكاسب على حسابها أو كلا الأمرين معاً، ولايدخل في هذا النوع الحرب العسكرية لاحتلال أي دولة أخرى غنية بالموارد أو للسيطرة على الموارد دون احتلال، وقريب من هذا الحال التهديد بالقوة والحصول على المنافع الاقتصادية دون قتال.
بهذا المعنى فإن أغلب الحروب في التاريخ إن لم تكن جميعها قامت لدواع اقتصادية ومالية، لكن الاقتصاد والمال هو أداة في السياسة وأداة في الحرب قد يفوق في الأهمية الأدوات الأخرى السياسية والدبلوماسية والتحسين والدعاية والحرب النفسية وغيرها باستثناء القوة المسلحة التي تعتبر أخف اشكال الحرب وأشدها تدميراً، وكما أنه أداة حرب فهو أداة سلام فالمعونات الاقتصادية تستخدم للضغط والتأثير في قرارات الدول الأخرى كما تستخدم للتعاون والعيش المشترك. وبقدر ما أن الحرب الاقتصادية جزءً من حرب شاملة فإنها تكون حرباً بذاتها، وهي كذلك بالفعل في العلاقات الدولية فالتعاون بين الدول كثيراً ماتتستر خلفه حروب اقتصادية خفية، بل أن هذا النوع من الحروب تدور ظاهرة وغير مرئية بين الدول التي تربطها ببعضها أمتن الصلات وأوثقها. وكما تدور الحروب الاقتصادية تجري بين الشركات خصوصاً التي تمارس نشاطاً واحداً بين العقل والحرية أو تنتج منتجاً تشكل كل منها بديلاً للأخرى، وتتخذ هذه الحروب مظاهر شتى تبدأ من التجسس على مبتكرات وتوليفات منتجات الشركات الأخرى ولا تنتهي بإغراء واستقطاب الفنيين والخبراء والمديرين. لكن مثلما هي بين الدول كذلك بين الشركات لاتعد الحرب وسيلة ناجعة بإستمرار، وليست ضرورية على الدوام، ذلك أن الغلبة في أي منافسة يؤكدها التفوق والقدرة على بناء النموذج المثالي. على أنه في البلدان التي تستورد الفن التكنولوجي ولاتخترعه تفقد الحرب الاقتصادية معناها، وإذا لجأت إليها إحدى الشركات فإنها تخوضها في الفراغ، إن المنافسة الشريفة وليس الحرب هي التي تحكم العلاقات بين المصنعين والموردين والموزعين، والعنصر الحاسم جودة السلعة والخدمة، وسهولة ايصالها للمستهلك، وذلك يتطلب الكفاءة والوفاء والأمانة. في هذا وحده يتنافس المتنافسون، وليس في سواه مجال للتفوق أو فرصة للغلبة. مع ذلك لتكن حرباً، واقصد حرباً افتراضية لأنه لاسبيل إلى حرب حقيقية ولامبرر، فإن كانت كذلك فإن لكل حرب ميدانها ووسائلها وأسلحتها، ولايعتبر الطريق ميداناً للحرب الاقتصادية ولا الاختطاف والتهديد من بين وسائلها، كما أن البندقية لاتنفع سلاحاً فيها. ذلك إن كان الذين يخوضون الترويه منافسون تجاريون هبطت عليهم النعمة على غير موعد، وأغلب الظن أن الأمر هكذا لأن مجمل الحوادث تشير إلى حملة منظمة وليس إلى واقعة يمكن تفسيرها بالرغبة في الابتزاز. قد يكون رجال بيت هائل سعيد أنعم أقدر على شراء العصابات، لكن هذا ليس ميدانهم ولاسلوكهم، إنهم رجال أعمال قبل وبعد أي شيء آخر، وهم يستطيعون أن ينفذوا بجلودهم ويديريون شركاتهم من خارج البلاد. ولكن ما الذي يحصل للاستثمار إذا ساد الخوف وعم الفساد وانتشر الرعب، ولقد ساد وعم وانتشر بالفعل، فهل مازالت بقية عقل للامساك بالبلاد عند التشظي وهل يمكن بالتبصر والتدبر والحكمة إرجاعها إلى حقل الطمأنينة؟.
 
* مجلة الاستثمار العدد "49"
 

 

مواضيع ذات صلة :