ما يحدث اليوم في رحاب الوطن من قلقلات ومتغيرات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مرضيا أو مقنعا لشعب ذاق من ويلات الازمات والاختناقات ما ذاق وبذل من رصيد الصبر حتى لم يعد يجد المساحة التي تسعفه وتجعله على قارعة الأحداث وخطوط الحياد والاكتفاء بالتفاعل السلبي كمتفرج واقف في الهامش، لا مكان له في المتغيرات ولا يد له في المصائر أو نصيب يخصه في الحسابات المزدوجة التي تنحصر على السياسة دون سواها.
* ما يحدث اليوم لم يكن الجائزة ولا المكافأة التي كان ينتظرها الشعب لقاء صبره وتجرعه مرارات الجوع والخوف وعدم الأمن وويلات أخرى نزلت عليه طوال أكثر من ثلاث سنوات جعلت الحياة عند معظم أبناء هذا الوطن هامشا خارج حواصر الإرادة والإقبال والتفاؤل .. ما يحدث اليوم خطأ كبير يرتكبه السياسيون في حق أنفسهم قبل أن يكون في حق الوطن وهذا الشعب الصبور والمحتمل .. إنه على كل حال لم يكن الرد المناسب ولا الجزاء المفترض فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وإنه يعد لائقاً بالمرة بالسياسيين والمتصرفين والفاعلين في الشأن العام أن يحدث ما يحدث تحت رعايتهم وبشهادتهم بالمرة.
* ما يحدث اليوم ليس إلا محاولة لإرجاع الوطن إلى خانة الصفر واختلاق أو توليد الأزمة والأزمات التي من شأنها هدم كل ما تم بناؤه وسده من شروخ بينية في السياسة والاجتماع والاقتصاد وفي مختلف العلاقات الثنائية والمتبادلة التي تنبني عليها الحياة الطبيعية وتسير في نسقها مشاهد التغيير الايجابي .. لا التغيير القائم على حسابات فردية ومصالح حزبية أو سياسية بحتة، علماً أن السياسة حين تنفرد في صياغة المشهد الحياتي وتشكله كما يحلو ويطيب لها ويتوافق مع رواها وحساباتها المحضة، لا يمكن أن تكون ناجحة بل ذات جدوى نفعية على الاطلاق وأن أي نجاح إذا تحقق أو تراوى لأحد تحققه، ما هو إلا نجاح وهمي زائف وبالتالي لحظي مؤقت.
* وهذا بالطبع ما يدركه السياسيون في بلادنا .. إنهم أذكى مما يتوقع وأفطن بمعرفة معطيات ومخرجات وعوائد كل تحرك سياسي، وإنهم أكثر القوى تحكمية كما يبدو لهم، لذلك فما يحدث في متغيرات يظل فعلاً من تشكيل ونقش أيديهم ورؤاهم، وبالتالي تنحصر مسؤولياته جمعاء عليهم وليست على سواهم أي ملاحظة أو مسؤولية مباشرة تجاه هذه الأحداث والمتغيرات سواء أكانت سلبية أو إيجابية، وأبدأ هنا بالسلبية لأنها كل ما شاهدناه من عطاء لرجالات السياسة منذ اندلاع أو انطلاق شرر الأزمات التي شهدها الوطن.
* واعتماداً على ذلك وبالنظر إلى واقع الحال وأسباب ما حدث ويحدث منذ العام 2011م فإن السياسي وحده من يقف في قفص الاتهام ويواجه المساءلات القانونية والشعبية المفترضة وحتى مساءلته هو لنفسه حول هذه النكسات والنكبات التي لا أقول مرت من أمام عينيه وبين يديه، بل من معامل فكره وطرحه ورؤاه السياسية الموجهة .. إن السياسيين اليوم وإن كانوا ما يزالون يتمتعون بقليل من حضور ووجاهة قد سجلوا حضورهم في قائمة غير المرضي عنهم وعن أدائهم وتعاملهم مع الوطن والشعب اللذين لم يمثلا شيئاً لديهم أكثر من كونهما سببين لانتصاراته المزيفة ونجاحاته المزورة وكسبه غير السوي.
* في الختام الإشارة لأزمة والنصيحة واجبة لكل سياسيي الوطن أن عودوا إلى رشدكم وانتهجوا جادة الصواب قبل أن يغدوا ذلك الصواب خنجراً مسموماً وينغرس في قلوبكم ووجوه وأعراض مواقفكم تجاه الوطن والشعب اللذين منحاكم الكثير من الفرص ليس لمحاولة الخروج من الأزمة وانقاذ الوطن وحسب بل وأيضاً من أجل انقاذ أنفسكم وتصحيح مواقعكم ومواقفكم تجاه وطن يجب بالضرورة أن يكون له حق بل الكثير من الحقوق لديكم شأنكم شأن كل مواطن وفرد من أبناء الوطن.
* الحقوا أنفسكم فلم يعد من شيء خافٍ على البشر ولم تعد الحقيقة أبعد تعبير الرفض الذي يتوالد ويتكاثر يوماً فيوماً في مشاعر وانطباعات أبناء الشعب عموماً.