في البدء لابد من الإشارة إلى أن انخفاض أسعار النفط أمر لم يكن متوقعا,بل أن المتوقع كان العكس تماما, فعادة ما تشهد أسعار النفط ارتفاعا كبيرا عندما يكون هناك توتر وصراعات في مناطق قريبة من منابع النفط, أيضا كان يفترض أن تتأثر خطوط الإمداد بسبب الحروب والصراعات المسلحة في تلك المناطق, إلا أن الأسعار تصرفت بشكل مختلف وقررت الانخفاض من 111 دولار في شهر مايو الماضي إلى اقل من 85 دولار في خلال شهر نوفمبر.
لماذا انخفضت الأسعار؟
هناك أسباب اقتصادية تتمثل في:-
• التباطؤ في النمو الاقتصادي لدول صناعية كبرى وعلى رأسها الصين وبالتالي انخفاض الطلب من اكبر مستهلك عالمي للنفط وهو الصين.
• انخفاض الطلب أو بالأصح الخروج من السوق كمشتري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلت إلى درجة كبيرة من الاكتفاء بسبب النفط الصخري والذي كان يشترط لاستثماره في الماضي ارتفاع أسعار النفط حتى يكون مجدي اقتصاديا بسبب ارتفاع أسعار استخراجه, إلا أن التكنولوجيا الحديثة حاليا خفضت كثيرا من أسعار استخراجه.
• انخفاض الطلب من قبل دول صناعية هامه مثل ألمانيا واليابان.
• زيادة إنتاج الولايات المتحدة والذي زاد بنسبة 70% منذ العام 2008 .
• ارتفاع سقف إنتاج الأوبك إلى 30,3 مليون برميل بينما كان مستقرا عند 30 مليون
• بيع الجماعات المسلحة في العراق وليبيا لكميات كبيرة من النفط بأسعار اقل من الأسعار العالمية بحثا عن المردود السريع.
ومن الزاوية الاقتصادية للموضوع, فان الأسباب لو كانت اقتصادية فقط وبفرض أنها المسبب الوحيد للانخفاض فان السوق سيوازن نفسه, ففي الوقت الذي سيؤدي انخفاض الأسعار لخسائر ضخمة للدول المنتجة إلا انه سيخلق انتعاشا اقتصاديا كبيرا وتنمية في عدد كبير من الدول والذي سيتوفر لها بسبب هذا الانخفاض فرصة لتنمية صناعية اكبر وبالتالي ارتفاع الطلب مرة أخرى على النفط, وان كان من المستبعد أن يتجاوز السعر 100 دولار على أي حال, ومع ضرورة الإشارة إلى أن الخبراء يتوقعون أن تستمر الأسعار في الانخفاض في خلال العام 2015.
كما أن هناك أسباب سياسية غاية في الأهمية تتمثل في:
• الضغط الشديد الذي سيترتب على روسيا وفي رأي الكثير من المحللين أن هذا هو السبب الرئيسي في عمل الولايات المتحدة الأمريكية وبالتعاون مع السعودية على خفض أسعار النفط في إجراء يستهدف ضرب روسيا لأدوارها في أوكرانيا وضم القرم ودورها في ملفات ساخنة في المنطقة أهمها الملف السوري, وقد تأثر بالفعل الاقتصاد الروسي حيث هبطت القيمة التعادلية للروبل الروسي وتخلى البنك المركزي عمليا عن الدعم فأصبحت العملة معومة وبالتالي اهتزاز ثقة المستثمرين بمالية الدولة " وان كانت العقوبات الأوروبية الأمريكية سببا سابقا في عملية هز الاقتصاد الروسي".
• عندما ضمت روسيا القرم أعطت الإدارة الأمريكية توجيهات ببيع 5 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي .
• التوقيت يأتي بالتزامن مع توقعات بانخفاض أرباح الغاز بنسبة 20 إلى 25% في العام القادم بسبب ظهور منتجين جدد في سوق الغاز, وهو ما يجعل الضربة مضاعفة على روسيا.
• الضغط الشديد الذي سيترتب على إيران باقتصادها الذي يعاني صعوبات منها معدل تضخم 39% وبطالة 17% وفقر 20% من السكان ومعدل نمو -17% , وبرغم أن إيران استطاعت في الفترة السابقة التكيف إلى حد ما مع العقوبات وأيضا سمح تخفيف العقوبات في الفترة الماضية من بيعها لنفطها بصورة أفضل, إلا إن هذا الانخفاض سيشكل ضربة قوية لإيران صاحبة الاقتصاد الذي يواجه صعوبات أساسا, خصوصا أن الانخفاض تجاوز السقف المرصود في الميزانية الإيرانية " 100 دولار"
• الانتعاش الذي سيصب في مصلحة الدول المصنعة وانعكاسه على تحركاتها الدولية في الفترة القادمة.
تأثيرات انخفاض أسعار النفط على السياسة الدولية
- من المتوقع خصوصا إذا استمر الانخفاض إلى إن يصل إلى 60 أو 50 دولار خلال العام القادم أن يؤثر على الإنفاق العسكري لروسيا, وان يؤثر على تدخلاتها وتفاعلاتها في المواقف السياسية حول العالم.
- أن يحمل إيران على وقف الإنفاق على تدخلاتها في ملفات المنطقة وأهمها الملف السوري.
- يشكل الانخفاض تعويضا للدول التي ساهمت في الإنفاق العسكري على الحملات العسكرية الأمريكية الأخيرة, برغم أن التعويض يفوق الإنفاق بمراحل كبيرة
- سيؤثر على سياسات دول كثيرة في المنطقة ويحد من إنفاقها على أدوارها في السياسة الداخلية لدول أخرى ووقف الإنفاق على حلفائها السياسيين وهو ما سيؤدي إلى إن ترجح كفة طرف في هذه الدول ضد الأخرى, وأيضا سيؤدي إلى تغيير خريطة التحالفات فيها.
- كون الصين حليف روسيا الرئيسي هو اكبر مستفيد من الانخفاض, وروسيا هي اكبر خاسر منه, يتوقع أن يكون لهذا التضاد الكبير في المصالح اثر على طبيعة التحالف " سلبا أو إيجابا" وذلك بحسب المواقف التي ستتخذها الصين تجاه الانخفاض.
- بالنسبة لدول أوروبا فقد وفرت وفي خلال شهر أكتوبر فقط 7 مليارات دولار بسبب انخفاض الأسعار, وهو ما سيقود إلى جانب النمو الاقتصادي والانتعاش الصناعي, إلى الترويج للصناعات العسكرية وهو ما يمثل احتمالية اكبر للتدخل في النشاطات العسكرية حول العالم بصورة اكبر.
- برغم أن دول الخليج تعتبر من ضمن الخاسرين في انخفاض أسعار النفط, إلا انه لا يتوقع أن يكون للانخفاض تأثير على المدى القريب عليها, وذلك بسبب ضخامة احتياطاتها المالية واستثماراتها الأجنبية, وبرغم ذلك فانه من المتوقع أن يؤدي إلى سياسات أكثر حرصا في الإنفاق وخصوصا على المواقف السياسية في المنطقة ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى انكماش نسبي للسياسة الخارجية لبعضها.
- تحت قاعدة لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومضاد في الاتجاه لا يتوقع أبدا أن تقف روسيا دون حراك تجاه هذه التطورات وتجاه خسائر اقتصادية يتوقع أن تصل إلى 100 مليار دولار في السنة , من الأكيد أن روسيا ستحاول التحرك في مسارات معينة لتجاوز الأزمة مثل محاولة إقناع الصين بشراء حصص اكبر من النفط الروسي, وقد تلجأ إلى سياسات أكثر حدة تجاه الدول المتسببة في خفض الأسعار , إلا انه وبحسب القراءات للسياسات والمواقف الروسية من الصعب توقع أن يؤدي الضغط الاقتصادي الكبير عليها إلى مواقف تستهدف رضى الدول الضاغطة أو الاستجابة لأهدافها خصوصا أن بعضها يشكل خط احمر للأمن الروسي نفسه.
في تاريخ السياسة الدولية الحديث , كان هناك الكثير من الأمثلة لاستخدام النفط للتأثير على السياسة الدولية, أشهرها بالنسبة لنا كعرب هو استخدامه كورقة ضغط أثناء الصراع مع إسرائيل, إلا أن المثل الأكثر دلالة هو ما حدث في آخر أيام الاتحاد السوفيتي السابق عندما قامت السعودية بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية برفع إنتاجها من 3 مليون إلى 10 مليون دفعة واحدة وهو ما أدى إلى ضربة قوية للاتحاد السوفيتي الذي كان يترنح أساسا ومثل احد أسباب سقوطه, والجدير بالذكر أن الضربة كانت قوية بسبب أنها جاءت بشكل مباشر وبدون تدريج, أما ما يحدث حاليا فهو اقل إيلاما للمتضررين لأنه يحدث بالتدريج وهو ما يعطيهم فرصة لإعادة النظر في الميزانيات واتخاذ خطوات تخفف من الأضرار.
ماذا تفعل أوبك؟
للرجوع إلى سقف الـ 100 دولار لابد أن ينخفض إنتاج أوبك إلى 29,2 مليون , وقد كانت فنزويلا طلبت في وقت سابق اجتماع طارئ للأعضاء لاتخاذ تدابير لمواجهة انخفاض الأسعار إلا أن المنظمة رفضت الطلب, ولكن الطلب تم طرحه مرة أخرى من قبل روسيا و فنزيلا وعليه تقرر الاجتماع في تاريخ 27 نوفمبر , والجدير بالذكر أن الخبراء لا يتوقعون أن أوبك ستتحرك في اتجاه خفض الإنتاج
اليمن
تعتمد اليمن بشكل رئيسي على النفط, وهو ما سيجعل من انخفاض الأسعار ضربة قوية للغاية لإيراد رئيسي لاقتصاد منهار أساسا, والتفكير بان التعويض سيكون من خلال الغاز ليس موضوعيا حيث أن أسواق الغاز ستشهد انخفاضا كبيرا بنسبة 20 إلى 25 % من أسعاره في خلال العام القادم.
هناك جانب ايجابي يتمثل في انخفاض المبالغ التي ستصرف على الدعم, والتي مثلت قرابة ثلث الميزانية, وأيضا ما يمثله ذلك من اثر على الجانب السياسي من حيث قدرة الحكومة على إرجاء قرار رفع الدعم لفترة أطول وتجنب اخذ هذا القرار في أجواء مضطربة سياسيا.
إذا اثر الانخفاض فعلا على قدرات دول أخرى رئيسية في المنطقة, فان ما يرصده المحللين والسياسيين من تدخل في الشؤون الداخلية لليمن سيقل ويضعف تأثيره , وهو ما سيقود الأمور إلى وضع أفضل سياسيا وقد يساهم في رسم تحالفات وسياسات جديدة للقوى السياسية في اليمن مبنية على أسس لا تؤثر فيها كثيرا الارتباطات بالخارج.