آراء وأقلام نُشر

هل تحل الرأسمالية العظمى محل الرأسمالية الديمقراطية

ينبري روبرت رايك وزير العمل في إدارة بيل كلينتون, أستاذ السياسية العامة في جامعة كاليفورنيا ببيركلي والناقد الذي لا يبالي بالعواقب, للرد على هذه الأسئلة في كتاب الجديد المثير للدهشة والذي يتميز بالنظرة الثاقبة. "لماذا باتت الرأسمالية ناجحة جدا والديمقراطية ضعيفة جدا؟
هل هاتين النزعتين مرتبطتين مع بعضهما البعض؟ ماذا, لو كانت هناك إمكانية؟ ماذا يمكن أن نفعل لتقوية الديمقراطية؟ في واشنطن, كان رايك ليبراليا في إدارة مناصرة لقطاع الأعمال بلا أدنى مواربه. وكان يتم تجاهله دائما "محبوس في مجلس الوزراء" وهو التعبير الذي ورد في مذكراته الأولى حول سيرته الذاتية. وتطور فكره. فهناك الكثير جدا في الرأسمالية العظمى تجعل ليبراليي المدرسة القديمة يغمغمون. والكثير مما يقوله رايك حتى الآن صائب.الرأسمالية العظمى, هي المصطلح الذي يطلقه على المنافسة الساخنة, الابتكار والتكامل العالمي. وهو يثني على إنتاجها الهائل, ويصفها نصرا بالنسبة إلى العملاء والمستثمرين, ويجادل قائلا, لكن: " كمواطنين ننشد الصالح العام فإن أمور الأمريكيين لا تسير على ما يرام, فالشركات المهيمنة تتقهقر, نقابات العاملين ضعفت والأجهزة الرقابية أصيبت بالعجز التام, ساد انعدام الأمن الاقتصادي والأسوأ من كل ذلك فإن المال وقوى السوق تسربت إلى السياسة وأفسدتها. "بالتالي هل تحل الرأسمالية العظمى محل الرأسمالية الديمقراطية"؟من خلال تطوير فكرة المصالح المتضاربة للأفراد - كمستهلكين وكمواطنين عاملين - يقوم الكتاب بدراسة, من ضمن أحداث أخرى, قضية "وال مارت" وهي شركة يكرهها اليسار, وبالتالي فإن رايك يتميز بالجرأة اللازمة لتأكيد الخدمة الجيدة التي قدمتها وذلك عبر جعلها لتشكيلة واسعة ومتنوعة من المنتجات في متناول الأيدي, ويصف على نحو ملائم, دورها الذي يتمثل في جمع القوة الشرائية الجماعية لعشرات الملايين من المستهلكين الأمريكيين لمنفعتهم الهائلة. ويقول رائك إن المشكلة هي أن هذا التجمع القوي لا بد أن يعمل لمصلحة شخص ما. الخاسرون هم متاجر التجزئة الصغيرة و المجتمعات التي تدعمها, وعمال "وال مارت"، الذين يتلقون أجورا ضعيفة والموردون. ويقول رايك أمريكا ذات مشاعر متناقصة ويحق لها أن تكون كذلك والواقع أن الرأسمالية العظمى تجعل الأشياء رخيصة, ولكن ربما لا تخدم دائما المصالح الأوسع للمواطنين.لا بد أن يبرز مثل هذا النوع من التناقص غير أن رايك يعطي تحليله ميلا تشاؤميا على نحو مفرط, فمظهر التنافس الذي يركز عليه هو الصراع على الميزة الثابتة بين المستهلكين والمستثمرين في جانب والعاملين والمنتجين على الجانب الآخر. ولكنه يقلل من أهمية دوره كمحفز للابتكار والنمو, وبعبارة أخرى الدور الإيجابي بالكامل والمحك هو مستوى المعيشة. وارتفعت الأجور الحقيقية في الولايات المتحدة بوتيرة أبطأ من معدل الإنتاج من الأعوام الأخيرة, هذا صحيح ولكنها مع ذلك ارتفعت.ويقول رايك على أية حال إن تقييم التوازن بين المصلحة الذاتية والاجتماعية, ومخاطبتها, إذا لزم الأمر هو مهمة السياسة ولكن السياسة معطلة أيضا من وجهة نظره ومجددا تتحمل الرأسمالية العظمى المسؤولية ويخصص فصل كامل للحديث حول صناعة واشنطن التي تمارس الضغوط على الحكومة والنمو المتفجر في عدد العاملين و الإنفاق منذ سبعينيات القرن المنصرم. ويرفض الكتاب عددا من النظريات التي يفهم منها ظاهريا محاولة تعليل ذلك والسبب ليس مؤامرة بين الجمهوريين وقطاعات الأعمال الكبرى, بدءا برونالد ريجان في ثمانينيات القرن الماضي ولا ميثاق حزبين مع "وول ستريت" لحماية الأثرياء واستغلال الآخرين, ولا نمو الحكومة الاتحادية وبالتالي الغنائم. وتضغط الشركات لكسب الميزة التنافسية كما يقول إن الرأسمالية العظمى ترغمها على ذلك والمنافسة متوحشة جدا هذه الأيام وليس لديها خيار آخر.لو صح ذلك ما العلاج؟يخصص الكتاب فصلاً آخر للمجادلة بأنه من الخطأ وغير المفيد أن نطلب من الشركات لكن تكون مواطنات صالحات. لأنها لن تكون كذلك وفي كل الحالات يجب أن لا تكون كذلك لأن وظيفتها كما يحاج ميلتون فريد مان هي جني الأموال. الشركات ليست مواطنات ويتحدث الكتاب بصراحة كاملة حدود "المسؤولية الاجتماعية للشركة" وهو يدعو حتى إلى إلغاء ضريبة دخل الشركة, مجادلا بأن ذلك ينسجم مع الدعوة إلى ضوابط أكثر صرامة على الإنفاق السياسي والفصل بين الأعمال والسياسة, هذه القضية مستحدثة تأتي من ليبرالي ومحبوكة بطريقة جيدة.أما جانب الغرابة في هذا الكتاب أنه ليس لديه القليل جدا الذي يقوله حول السياسة الأكثر حكمة التي يأمل الفرد أن تسود بمجرد أن يتم تصليح النظام السياسي ويتناول المؤلف ذلك في صفحتين أو ثلاث ويريد بالطبع فرض ضريبة أعلى على الأثرياء ويقترح تسهيل مهمة نقابات العاملين في مجال التنظيم وضريبة على مبيعات الأسهم "لإبطاء وتيرة انتقال رأس المال" وفرض القيود على المعدل الذي يمكن على أساسه تسريح بعض الشركات للعاملين لديها. والاتفاقيات التجارية التي تحدد الحد الأدنى من الأجور لجميع الدول المشاركة. هذه المجموعة الضئيلة من الأفكار, جميعها مشكوك فيها, في أحسن الأحوال لم تختبر أو تجد من يدافع عنها, الاقتراحات ليست الشيء الأساسي, كما يؤكد رايك ولكن المهم هو النقاش حولها وهناك قدر ضئيل منه في واشنطن.

الرأسمالية العظمى

تأليف: روبرت رايك

الناشر: نابف

Super capitalism

By Robert Reich

Publisher Knapf

 

* نقلاً عن صحيفة الاقتصادية .


 

مواضيع ذات صلة :