آراء وأقلام نُشر

نموذج لسلام إقتصادي حقيقي

Imageليست خطة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، للسلام حلاً للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكنها خطوة في الاتجاه الصحيح إلا أن خطة سلام اقتصادي يجب ألا تهدف إلى تحسين الدخل المحلي الإجمالي للفرد الفلسطيني في المناطق المحتلة فقط. وحتى يتسنى لها أن تشكل محفزاً فاعلاً للسلام، يتوجب على الخطة أن يكون لها هدف نهائي هو إيجاد ترابط اقتصادي بين إسرائيل ودولة فلسطينية ذات سيادة.
الفرضية الأساسية وراء الترابط الاقتصادي هي أنه لا يمكن لشعبين توجد بينهما روابط تجارية متبادلة بناءة منتجة أن يصبحا متحاربين، لأنهما يخافان على روابطهما الاقتصادية المربحة ذات الفوائد المتبادلة. وهناك أمثلة متعددة وحالات دراسية أثبتت فعالية المصالح التجارية المشتركة، وأكثرها شعبية ما يسمى بنظرية "سلام ماكدونالد" الذي كثيراً ما يجري بحثها، والتي تفترض أن أحداً لا يتوقع أن ينفجر الاتحاد الأوروبي، المتشابك اقتصادياً، في نزاع مسلح في أي وقت في المستقبل القريب. وبشكل معكوس، هناك حالات متعددة شكل فيها انعدام الترابط الاقتصادي والعلاقات الناتجة عنه عاملاً مساعداً على الحرب.
إضافة إلى ذلك، يرعى الترابط الاقتصادي قاعدة ثابتة يمكن بناء علاقات بنّاءة عليها. وقد تم أحياناً كثيرة عقلنة سلام ماكدونالد المذكور سابقاً من خلال الاستشهاد بالقيم المعيارية التي تشترك فيها الدول حيث توجد مطاعم ماكدونالدز للوجبات السريعة، إضافة إلى ساندويتش بيغ ماك الشهير. ومن هذه القيم أن الاقتصادات المفتوحة الليبرالية تنزع لأن تطور مجتمعات مدنية ليبرالية ومفتوحة. وتفضل هذه المجتمعات أحياناً أشكالاً ديمقراطية من الحكم، توجد بدورها روابط أكثر اتساعاً. وحسب وجهة النظر هذه، ترعى الروابط الاقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مؤسسات ديمقراطية في المناطق المحتلة، لأنها تساعد على تيسير تجارة ذات فائدة متبادلة.
ومن النتائج المرحّب بها للترابط الاقتصادي تفاعل متزايد وألفة أوسع مع "الآخر"، وإذا نجح ذلك فبإمكانه أن يشكل نموذجاً لأشكال مختلفة من التعاون في قضايا كثيرة مثل البيئة والاهتمامات الطبية عبر الحدود.
تكمن المشكلة في خطة نتنياهو حتى الآن في أنها كانت مغطاة بمضمون يعرض الاحتلال فقط بتعابير اقتصادية، متجنباً النواحي الأخرى للاحتلال، والتي هي هدّامة بشكل مماثل أو أكثر بالنسبة للشعب الفلسطيني، لا تضم رؤية نتنياهو حول السلام الاقتصادي حتى الآن دولة فلسطينية ذات سيادة. في غياب الدولة، يكون الفلسطينيون عرضة لتفاوت القوة التي يفرضها الاحتلال. وببساطة، فإن النتائج المهدئة للترابط الاقتصادي ستكون أكثر بكثير بين دولتين ذات سيادة.
يستطيع نتنياهو، كبداية، أن يحدّ من الطرح المبهم وأن يقترح أفكاراً جوهرية لإرساء قواعد روابط اقتصادية. وأنا أعتقد أنه يتوجب عليه تشجيع المشاريع المشتركة التي يديرها الفلسطينيون من خلال توفير حوافز كبيرة على شكل خصومات ضريبية وقروض ذات فوائد منخفضة للمشاريع الجديدة وتفضيلات معينة في العقود الحكومية للأعمال المشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لدى الولايات المتحدة سجل تاريخي ناجح في مشاريع كهذه، هدفت إلى تشجيع الأعمال التي يملكها أو التي توظف أعداداً محددة من الأقليات ذات التمثيل المنخفض تاريخياً، أو من النساء.
تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد من خلال الطلب بتخصيص نسبة من مساعداتها الكبيرة لإسرائيل لتوزَع على أصحاب الأعمال الفلسطينيين الابتكاريين في المناطق المحتلة بدلاً من توجيهها لشراء الأسلحة الإسرائيلية. تستطيع كذلك زيادة معونتها المباشرة للسلطة الفلسطينية وتوفير قروض صغيرة ذات فائدة منخفضة للأعمال الناشئة. يتوجب على إسرائيل والولايات المتحدة زيادة الموارد القيّمة المتوفرة من منظمات استشارية تابعة لحكومات عالمية ومنظمات غير حكومية من المسار الثاني التي تعمل في مجال التنمية في المناطق المحتلة.
لسوء الحظ أن أي تقدم اقتصادي لن يوقف العنف فوراً. ومن الأمور التي يُجمع عليها العلماء بشكل عام في مجال دراسات النزاع أن الفقراء ليسوا وحدهم الذين يقومون بأعمال العنف في وجه الظلم والقمع. خذ على سبيل المثال المؤامرة التي تم الكشف عنها مؤخراً في بريطانيا بين أطباء خططوا للقيام بتفجيرات إرهابية، أو حقيقة أن العديد من الإرهابيين يحملون شهادات متقدمة وينحدرون من خلفيات متوسطة أو أكثر حظاً. سوف يكون هناك دائماً مخربين يسعون لإفشال أية عملية سلام، ولكن يمكن تهميشهم من خلال الترابط الاقتصادي الزائد. عندما يعتمد الفلسطينيون والإسرائيليون بشكل كبير على بعضهم بعضاً في مجال الأمن الحالي، نجد أن الأمن الفعلي يتبع في أعقاب ذلك وبسرعة.
تؤدي الروابط التي يتم إيجادها من خلال التجارة، بشرط أن ترافقها عملية سياسية كبيرة، إلى تبادلات بنّاءة أخرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى إيجاد منبر يمكن منه مخاطبة القلق الشرعي لطرفي النزاع. يجري في هذه الحالة التعامل مع القلق الإسرائيلي من جار غير مستقل وعدائيّ، إضافة إلى القلق الفلسطيني من انعدام الحكم الذاتي والحرية، والتخفيف منهما. يمكن للترابط الاقتصادي أن يوفر فرصاً عديدة للإسرائيليين والفلسطينيين لتشكيل علاقات شخصية مع بعضهما بعضاً، والتعلم عن ثقافات بعضهما بعضاً والتعاون في مشاريع أخرى مفيدة بشكل متبادل، وهي جميعها خطوات ضرورية نحو إيجاد سلام دافئ في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

زميل متدرب مع منظمة البحث عن أرضية مشتركة في القدس، وزميل بمعهد دراسات السوق بالقدس وخريج زائر في الجامعة العبرية وطالب ماجستير بجامعة ستانفورد. كُتب هذا المقال لخدمة Common Ground الإخبارية.


 

مواضيع ذات صلة :