كانت المياه قديماً هي الأساس الذي قامت عليه حضارات بابل في العراق والفراعنة في مصر والسبئيين في اليمن القديم،واليوم مازالت
المياه هي العامل الرئيسي الذي يضمن نهوض العديد من قضايا التنمية المختلفة.
فلو أننا نظرنا إلى التعليم مثلاً لوجدنا أن مخرجاته الكمية والنوعية تختلف من بلد إلى آخر والمياه تلعب دورا في تحديد ذلك، ولو انتقلنا إلى قضية تنموية أخرى كالصحة والإنتاج المحلي لوجدنا أن لتوفر المياه وخدمات الصرف الصحي يؤثر بشكل كبير وينعكس كل ذلك إجمالا على مستوى الاقتصاد الوطني.
واليوم باتت المياه كأزمة عالمية تتفاوت من بلد إلى آخر هي العائق والتحدي الأكبر أمام تلك الدول في سبيل تحقيق نهضتها.
هذا هو عالم اليوم وللأسف الشديد،ونحن نحتفل بيوم الماء العالمي الموافق 22 مارس نجد بالواقع ؛ يموت فيه أكثر من 4000 نسمة يوميا والسبب في ذلك نقصان خدمات المياه والصرف الصحي، بل إن حوالي مليار نسمة اليوم باتوا لا يستطيعون الحصول على مياه شرب نظيفة وآمنه للاستهلاك السكني، ونجد في المقابل ايظا أن أكثر من 3 مليار نسمة على مستوى العالم لا تشملهم خدمات الصرف الصحي، بل ان شحة المياه حسب التقارير الدولية أصبحت هي السبب الثاني في موت الملايين من البشر بعد الملاريا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم لماذا تهب الدول والحكومات لمكافحة مرض كالملاريا بينما نلمس تقصيرا من قبل الحكومات في تبني المياه وقضاياها المختلفة؟
إن الإجابة عن هذا السؤال هي بسيطة: فالملاريا عندما تحل لا تفرق بين الغني والفقير بينما شح المياه هو من نصيب الفقراء فقط.
هذه هي أزمة المياه على المستوى العالمي، فيا ترى كيف هو الوضع المائي اليوم لدينا نحن في اليمن وما مؤشرات الأزمة المائية وما هي أوجهها المختلفة؟
لم يعد خافيا على احد أن اقل من 50% فقط من سكان الحضر في اليمن هم من تشملهم خدمات المياه بينما نجد أن اقل من 25% من سكان الأرياف يستطيعون الحصول على خدمات المياه، كما أن اقل من 25% فقط من سكان الحضر في اليمن تشملهم خدمات الصرف الصحي، بينما نجد أن خدمات الصرف الصحي في الأرياف تكاد نسبتها منعدمة الذكر.
ليس هذا فحسب بل إن المياه التي تساهم ب 93% من كمياتها لتغطية احتياجات القطاع الزراعي الذي يستوعب قرابة 50% من الأيدي العاملة ويعد مصدر الدخل الرئيسي إن لم يكن الأوحد لآلاف الأسر باتت تعاني اليوم شبح الاستنزاف والنضوب في العديد من الأحواض المائية.
ما من شك ان للزيادة السكانية وارتفاع الطلب على المياه في كافة المجالات أدى إلى هبوط مناسيبها بشكل حاد في العديد من الأحواض المائية اليمنية التي أصبحت اليوم حرجة ومهددة بالنضوب بين الحين والآخر الأمر الذي نجم عنه تزايد عمليات الحفر العشوائي للآبار بلا رقيب أو حسيب حتى تجاوز عددها 100000 بئر على مستوى اليمن.
غياب الوعي المائي وغياب وتأخر القوانين والتشريعات والاستراتيجيات المائية خلال العقود الماضية وضعف تطبيقها إن وجدت والضعف الملحوظ في البناء المؤسسي والقدرات على المستويين الرسمي والشعبي بالإضافة إلى ضعف دور المشاركة الشعبية، كل ذلك أدى إلى تفاقم الأزمة المائية يوما بعد يوم وجعل الموارد المائية مرتع لكل من هب ودب.
وللإنصاف نستطيع القول والحمد لله أن العقد الماضي قد شهد تحولات جيدة ونوعية من خلال إنشاء العديد من قطاعات المياه الهامة والعديد من تجارب المشاريع الرائدة في بعض الأحواض على الرغم من محدوديتها الزمنية والمكانية إلا أنها حققت انجازات نوعية على مستوى المشاركة الشعبية ونشر الوعي المائي وتبني تقنيات الري الحديث.
لكن الأهم من ذلك هو ماذا بعد؟ والى أين الطريق؟
جواب هذا السؤال هو ما سأختم به وأقول فيه:
أولا: إلى كافة المنتفعين من المياه في كافة المجالات وبالذات المنتفعين في القطاع الزراعي أقول لهم، انتم تعيشون المشكلة كل يوم وانتم مفتاح الحل؟
الترشيد بات اليوم مطلبا ملحا وخيارا استراتيجيا لتلافي أزمة إن لم نقل كارثة مائية محققة الوقوع لا قدر الله، فلا تترددوا في تبني تقنيات ترشيد استهلاك المياه وكذلك المشاركة في إدارتها، فباب المشاركة اليوم بات مفتوحا أمامكم ومتاح لكم أكثر من ذي قبل.
ثانيا: أقول للمسئولين والعاملين بقطاع المياه والجهات ذات العلاقة كالسلطة المحلية والجهات الأمنية والعلماء والمثقفين جهودكم مشكورة لكن ما زال أمامكم الكثير من العمل لترى تلك القوانين والخطط والاستراتيجيات النور ولتتنفس هواء التطبيق على ارض واقع.
أخيرا أتوجه بخطابي إلى صناع القرار في الحكومة قائلا إن المياه لم تأخذ بعد مكانها الأنسب في سلم أولويات قضايا التنمية، فإما أن تولى هذه القضية نصيبها من الاهتمام والدعم بكافة أشكاله أو سنشهد جميعا بلا استثناء لا قدر الله ذات صباح نصحو فيه فنجد أنفسنا في بلد بلا ماء.
* أخصائي إدارة متكاملة للمياه- الهيئة العامة للموارد المائية – صنعاء