آراء وأقلام نُشر

حتى لا نهلك جميعا

كنت أتمنى أن ألتزم بقراري في عدم العودة إلى الكتابة حتى عام 2012 لكن أخبار غضب الشعب التونسي الذي خلع أحد أكثر الأنظمة العربية ديكتاتورية وتداعياتها في العالم وفي اليمن تحديدا جعلني أقرر العودة للتعبير عن أفكاري .

فأنا شخصيا لا يعنيني ماذا يحدث في أي بقعة من الأرض طالما واليمن بخير أولا لكن الأحداث الأخيرة لم تبشر بخير على الإطلاق ,رغم الأمان الذي شعرت به بسبب مواقف حكومات العالم وخاصة السويسرية والكندية من تجميد أرصدة الرئيس المخلوع وعائلته ورفضها استقبالهم أو أقاربهم وهو يجعل أمام نظام الرئيس صالح أحد طريقين إما إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة تتيح المجال أمام كل اليمنيين, الخصوم قبل الأصدقاء المشاركة في الحكم ,أو إراقة الدماء واحتقان أكبر سيؤدي إلى نهاية أكثر قسوة مما يتوقعون .

ولا يعني هنا أن هناك تشابه بين ما كان ويحدث الآن في تونس وبين اليمن, ففي تونس كان زين العابدين يحكم بعائلة غيره ولا أبناء له أو أخوة يثق بهم ويضحي لأجلهم ويقاتلون لأجله بالإضافة إلى سياسته المستبدة والعنيفة بلا مهادنة أو توازن مع خصومه الذين كانوا كلهم في سلة واحدة ويحملون نفس الموقف تجاهه, أكثر حقدا وإصرارا في مواجهته بلا مهادنة أيضا, بعكس الرئيس صالح الذي يسيطر على المواقع السيادية في الدولة مثل الأمن والجيش من خلال عائلة كبيرة تتفرع إلى عشرات الأسر التي تنتمي إليها بالنسب وعشرات أخرى أصبحت جزء من تركيبة النظام وتعيش على استمرارية.

كما أن سياسة الرئيس صالح مختلفة جدا عن زين العابدين فهو يوجع ويراضي ..يعادي ويصادق ..يقدم ويؤخر.. فتارة يحتفل مع المعارضة في ذكرى توليه الحكم العام وتارة يظهر حليفا للجماعات الإسلامية, ويهاجم الأحزاب أحيانا بينما يقضي أوقات صفاء مع قيادتها في الوقت نفسه وهو ما جعل مواقف قيادة المعارضة وخصومه ضعيفة في مواجهته ,وغابت مصالح الناس لدى الطرفين في هذه العلاقة.

وحول أهمية إسقاط نظام الرئيس صالح لتحسين وضع اليمنيين كما حدث في تونس فأعتقد أن الشبه بين الضرورتين هو تماما مثل الشبه بين شجرة الياسمين وشجرة القات! .فالثورة لا تندلع إلا بإرادة الاغلبية وأغلب اليمنيين أميين, مسلحين, قبائل, ينتمون لأكثر من مذهب ديني أبرزها متقاتلو (الشيعي والسني) يحتفلون بالرصاص ويختلفون ويتفقون بالسلاح وعلى السلاح حتى في قلب العاصمة صنعاء ,فمن سيكون الضحية إذا لو خرج اليمنيون للتعبير عن غضبهم ؟ لن يكونوا سوى قادة وقوى التحديث والمجتمع المدني بنسائهم وأطفالهم الرافضين للعنف برغم اتساع حضورهم مؤخرا لكنهم مازالوا أقلية.

ومهما يكن حجم الإحباط والمعاناة الذين نعيشهما بسبب هذا النظام إلا أن تقليد اليات مجتمع أخر في التغيير قد تضيف لليمنيين مشكلات أخرى ..وتبقى السعودية ودول أخرى في انتظارهم وليس لنا حتى دولة أو معارضة مؤثرة تعيد ترتيب الوضع بشكل أفضل وتجنب اليمن كوارث تقضي على مابقى من استقراره ولنا في المحافظات الجنوبية مثلا فالظلم الذي تعرض له الجنوبيون وهم الاكثر تعليما تحول إلى أعمال عنف فاقمت من سوء أوضاع المواطنيين هناك وأراقة دماء مواطنيين أبرياء بينما لم يتضرر النظام بل حصد معونات خارجية أكثر.

للرئيس علي عبد الله صالح :-

أعتقد أن المظاهرات التي اندلعت في بعض المحافظات مؤخرا بالإضافة إلى أحداث العنف الأخيرة في الجنوب وحتى لو اعتقدت بأنها تحت السيطرة , تحتاج إلى تعامل مسؤول وجراءة منك في اتخاذ القرارات بعيدا عن مشاعرك الخاصة تجاه خصومك فهؤلاء يمنيون ومن حقهم المشاركة في الحكم وتنفيذ مطالبهم حتى لو أساءوا أو لم تحبهم أما الإقالة والتوقيف والقرارات الأخيرة التي تمت على استحياء مؤخرا ليست كافية.

فالتغيير الجاد مهم بقدر أهمية وجود نظامك واستقرار اليمن بدون عناد خاصة وأن المطالب ممكنة فماذا لو تم دعوة قيادة الحراك الجنوبي والحوثيين والقيادات الطلابية وقيادة المعارضة لحوار صادق ومسؤؤل تحت إشراف أصدقاء اليمن لتشكيل حكومة ائتلاف تجمع خصومك وتبقى الوزارات السيادية لك ولا أظن بأن الحكومة بوزاراتها قد تجمع على الإضرار باليمن ,وأظن أن الوقت حان لأن يخضع المنتمون لنظامك لأنظمة وقوانيين حكومة مشتركة خالية من أفراد عائلتك وأن تضرب الطالح بالصالح وتضع منتقديك في مواقع القرار لترى ونرى كيف يستطيعون تحسين أوضاع الناس ..فعندما يحكم الاشتراكي والإصلاحي والناصري - وهذا حقهم - ستجعلهم في مرمى الناس, فإما وفوا وأصلحوا وهو في صالح الجميع, وإما أخفقوا وحينها يستبدلون,وفي كلا الحالتين أوفيت بعض ما عليك ووجدت الفرصة والوقت لإعادة تأهيل وتنظيم نظامك وأنصارك بصورة مدنية وديمقراطية لاعلاقة لها بخزينة الدولة !ومن ذا الذي سيرفض حكومة تمثل جميع اليمنيين و شخصيات مهنية تثق بها أنت ويتفق الآخرون عليها مثل د.عبدالكريم الاريأني وأمة العليم السوسوة ومحمد سالم باسندوة ومصطفى نعمان وعبد الوهاب الكبسي ورؤفة حسن ورشاد العليمي ....الخ أنها ستخفف من غضب الناس واحتقانهم وستمنحهم أمل في قدرة قيادتك على التغيير وستساهم في تخفيف العنف الدائر في اليمن ..وياليتك تصغي فلا نهلك جميعا !


 

مواضيع ذات صلة :