دراسات نُشر

‏رؤية إستراتيجية لرفع إنتاج النفط في اليمن

النفط ثروة ناضبة و مشكلة هبوط إنتاجه في اليمن أمر طبيعي طالما يتم السحب من مكامنه الجيولوجية كل يوم. والسؤال المطروح هو هل نستطيع التدخل للحد من هذا الهبوط الكبير نسبيا والتقليل من سرعته ليستمر في لعب دوره في الحياة الإقتصادية في اليمن وزيادة فترة الإستفادة من هذه الثروة، سيما و‏ اليمن تعد من البلدان النفطية قليلة الإنتاج إذا ما قورنت بإنتاج الدول النفطية المجاورة؟.

في إطار هذا الموضوع أحاول أن أضع بعض الرؤى مستفيدًا من الخبرة الجيولوجية والنفطية المتواضعة‏التي اكتسبتها في ميادين العمل الحقلي و الإداري، ولعلها تمكنني من أن أساهم في طرح رؤية لحل جزء ‏من المشكلة على المدى المنظور.
بدأ إنتاج النفط في اليمن في عام 986 ‏1م من قطاع مأرب - الجوف حيث وصل الإنتاج السنوي حينئذ 2650000 ‏برميل نفط ازداد في العام التالي مباشرة لأكثر من الضعف ليصل إلى ما يقارب 6920000 ‏برميل. أعلى معدلات ‏الإنتاج التي شهدتها اليمن طوال عمرها الإنتاجي سجل عام 2001م ‏و بلغ160053018 برميل ومنذ العام 2006م بدأ الهبوط الحاد في الإنتاج فقد ‏بلغ في تلك السنة 133487409 برميل نفط ووصل معدل الهبوط في الإنتاج للسنوات ألاحقة حتى اليوم أكثر من 10%.

إن حدوث هذا التدني الكبير في الإنتاج من وجهة ‏نظري يرجع إلى عدة أسباب أهمها عدم ظهور اكتشافات كبيرة نسبيًا على أرض الواقع والسبب الأخر هو زيادة إنتاج الماء المصاحب من حقول المسيلة الواقعة في حوض سيئون - المسيلة و ذلك على حساب إنتاج النفط حيث يعادل إنتاج البرميل النفطي الواحد أكثر من 10 براميل من الماء المصاحب .
‏النفط المنتج حالياً من خزانات الصخور الرسوبية وصخورالأساس من حوضي السبعتين‏(مأرب - شبوة - الحجر) و سيئون-المسيلة يقارب 290 ‏ألف برميل يوميا فقط وهذا الإنتاج يشكل رقما صغيراً مقارنة بما كان في عام 2003 حيث بلغ ما يقارب500 ألف برميل يوميا.
من ناحية أخرى فإن الانخفاض المطرد في أسعار النفط العالمية، كنتاج رئيسي للأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على مختلف الأنشطة الاقتصادية و المالية في العالم ولم تقف آثارها و تداعياتها عند بلد أو قارة أو أي حدود جغرافية، هذا الإنخفاض هوالآخريشكل حجرعثرة أمام نمو اقتصاديات البلاد.

فإذا ما رجعنا إلي سجل أسعار النفط نلاحظ إنه قد سجل أعلى قيمة على الإطلاق في شهر يوليو2008م ‏حيث بلغ 147 دولار للبرميل وهبط مع نهاية العام ذاته إلى 42دولار للبرميل وفي فبراير 2009 هبط أكثر حيث وصل إلى اقل من 40 ‏دولار للبرميل، ثم عاود النهوض ليراوح حول 70 دولار للبرميل الي يومنا، بالرغم من بعض المحاولات من قبل الأوبك لخفض إنتاجها النفطي عدة مرات.
أدى هذا الفارق الكبير في الأسعار إلي إرباك الموازنات والخطط والمشاريع التنموية لكثير من بلدان العالم بما فيها اليمن.
‏ليس خفياً على أحد بأن النفط اليمني يلعب دوراً هاماً جدًا في الموازنة العامة للدولة و في التنمية الشاملة حيث يشكل النفط 90-92% من قيمة الصادرات، وما نسبته أكثر 70% من الدخل القومي وبالتالي فأن انخفاض إنتاج النفط والهبوط الكبير وغير المتوقع في أسعاره قد قلل من قدرة النفط اليمني على لعب دوره الريادي المعتاد في الحياة الاقتصادية بشكل عام.
‏أمام هذه الصورة التي تبدو قاتمة، بعض الشيء وغير مطمئنة تظهر ضرورة وضع رؤية إستراتيجية للبحث و التنقيب عن ثرواتنا النفطية والغازية في اليابسة أوفي المياه المغمورة واستخدام كل ما أمكن من مختلف أنواع التقنيات المتقدمة وشتى السبل الممكنة وصولا إلى تحقيق زيادة في الإنتاج أو في الحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي على الأقل.


الاتجاهات العامة للرؤية:
‏ للوصول إلى الأهداف المرجوة نضع هنا عناصر واتجاهات الرؤية كما يلي :
‏أولا. حث الشركات العاملة في القطاعات على الإسراع بإجراء عمليات المسح الجيوفيزيائي وخاصة الزلزالي ثنائي وثلاثي الأبعاد التي تساعد على إظهار تراكيب او مكامن جديدة تمهيداً لحفر آبار استكشافية فيها وفقا للبرامج الزمنية المتفق عليها مع هيئة استكشاف و‏إنتاج النفط وإلزام الشركات المشغلة للقطاعات بتنفيذ البرامج الحقلية لتي لم تقم بتنفيذها منذ استلامها لهذه القطاعات، خاصة إذا كانت تلك القطاعات مشجعة وواقعة بالقرب من الحقول النفطية أولا تبتعد كثيرا عن مواقع تواجد الصخور القادرة على توليد النفط والغاز.
لقد أظهرت الإعمال الجيولوجية والجيوفيزيائية وحفر الآبار في اليمن بان الأحواض النفطية يتواجد فيها نظام بترولي متكامل، أي العناصر الأساسية التي تجعل النفط و الغاز تتواجد في مكمن مستقر، و أن عدم اكتشاف النفط في بعض الأحواض الرسوبية يعود إلي عدم تواجد عنصر أو عناصر مكونة لهذا النظام النفطي حيث أن فقدان عنصر واحد من هذه العناصر قد يفقد النفط تواجده وأهم هذه العناصر:
‏ا . الصخور المولدة الناضجة والقابلة للهجرة الأولية من مكان ولادته إلى أماكن تجمعه (المصايد أو المكامن).
2 ‏.التراكيب الجيولوجية التي تحتوي على الصخور ذات المسامات الجيدة حيث تحبس فيها النفط والغاز والماء المصاحب لهما والتي تسمى بالمكامن النفطية أو / و الغازية.
3 ‏. الغطاء المحكم وهي الصخور التي تكاد أن تنعدم فيها المسامات كالطين والملح و غيرها والتي عادة ما تتوضع فوق تلك التراكيب مانعة أي تسرب أو هجرة رأسية للمواد الهيدروكربونية إلى الطبقات العليا و إلى سطح الأرض عبر الملايين أو مئات الملايين من السنين .
‏يوجد في اليمن حوضين نفطيين منتجين هما حوض السبعتين، الواقع في محافظات مأرب و شبوة وحضرموت، وحوض سيئون - المسيلة في محافظة حضرموت، حيث يحتوي كل منهما على عدد من الحقول النفطية والغازية و المكثفات، و هناك أحواض قد تم فيها اكتشاف النفط و لن تصل بعد إلي مستوى التطوير و الإنتاج ، أما النوع الأخير فهي الأحواض الرسوبية التي لم تطور فيها أي اكتشافات.
دلت الدراسات الجيولوجية في كثير من الأحواض على إن هناك إمكانات واسعة للمزيد من الاكتشافات النفطية سواءً في الأحواض المنتجة أو غير المنتجة ، فحوض خليج القمر في محافظة المهرة على سبيل المثال تم مؤخرا اكتشاف غاز تحت ضغط مرتفع في إحد أجزائه وهذا الاكتشاف يشكل دليلاً حقيقياً على وجود تلك الإمكانات البترولية في منطقة لم يظهر فيها النفط منذ زمن طويل و لم نعرف الكثير عن نظامها البترولي ويفتح أفاقاً واسعة و آمالا كبيرة و ميدانا للتنافس في أعمال البحث و التنقيب من قبل الشركات و هي قي نفس الوقت فرصة مواتية تستطيع الوزارة أن تعمل على تشجيع الشركات لتكثيف عمليات المسح وحفر الآبار سبيلا لسرعة الوصول إلى اكتشاف مكامن جديدة في أجزاء أخرى من هذا ‏الحوض و بالمثل في أحواض أخرى .
‏قد تتقدم بعض الشركات العاملة و خاصة في هذه الفترة بطلبات لتغيير برامجها الفنية و تقليص ميزانيتها السنوية والمتفق عليها مع الجهة الحكومية المتعلقة بالمسموحات وحفر الآبار وذلك تحت مبرر الأزمة المالية العالمية . هذا الأمر غاية في الأهمية و يستدعي الوقوف عنده لأنه ربما يشكل حجر عثرة لجهود قد تثمر في اكتشاف نفطي أو غازي في المستقبل.
‏ثانيا. تحفيز و استقطاب الشركات النفطية العالمية للعمل في القطاعات الاستكشافية سواءً في البر أو المغمورة وكذلك تسهيل المعاملات وصولاً لتوقيع اتفاقيات المشاركة في الإنتاج و فقأ للإجراءات المتبعة.
من المتداول أن العالم اليوم يعيش المراحل الأخيرة من عصر النفط وأنه سيشهد تغيرا جذريا نتيجة لنضوبه فتوقعات المحليين الاقتصاديين تشير إلى أن إنتاج النفط سيصل إلى ذروته في خلال السنوات القادمة ثم لا يلبث أن ينحدر، إذ ليس هناك ما يوحي باحتمال اكتشاف حقول ضخمة جديدة، وتؤطر تلك التوقعات لعملية التحول في استخدام النفط الرخيص إلى النفط الغالي أي استخدام النفط الثقيل والتار والرمل النفطي بشكل كبير وذلك بعد أن تظهر في الأفق بداية النضوب الحقيقي للنفط الخفيف و نتيجة لذلك فسيتحول مركز الثقل النفطي في العالم من الشرق الأوسط إلى مناطق أخرى تمتلك احتياطيات ضخمة من هذه النفوط، ترليونات من ‏البراميل.
نستنتج من ذلك بأنه في خلال هذه المرحلة الحرجة من عصر النفط سيشهد العالم جهوداً مكثفة و تحركاً واسعا من قبل شركات النفط سعياً للحصول على النفط المتبقي في العالم . فنشاهد اليوم أعمال جبارة من قبل شركات عملاقة مثل اكسون موبيل، شل، ستات أويل، بترو براز، بي بي، توتال وغيرها تعمل في خليج المكسيك و بحر الشمال و الساحل الغربي من إفريقيا وغيرها من بحار العالم و التي تصل أعماقها إلى ما يقارب كيلومترين اثنين وفي غابات إفريقيا النائية و بالتحديد في إثيوبيا حيث الحوض المسمى بالنيل الأزرق، فهناك تجري أعمال البحث والتنقيب فوق طبقات سميكة من البازلت (صخور بركانية) وكذلك في القطبين المتجمدتين. و لا يقتصر اهتمام الشركات في بحثها هذا على المناطق الصعبة والخطرة جغرافياً أو جيولوجياً بل أيضا المناطق الخطرة أمنيا حيث الحروب و عدم الاستقرار الأمني كما هو حاصل في بعض الدول الإفريقية كالصومال.
‏في هذا السياق لدى اليمن كثير من الأسباب التي تجذب الشركات للتنقيب عن النفط و منها ما يلي:
أ . انتشار النظام البترولي الواسع في كثير من الأحواض الرسوبية البرية والبحرية .
ب.الحفاظ على مستوى نجاح حفر الآبار الاستكشافية إلى العدد الكلي من الآبار الاستكشافية المحفورة.
‏ج. الاكتشافات الجديدة للنفط الخفيف و الغاز معاً في الشقوق الدقيقة لصخور الأساس الصلبة و الواسعة الانتشار و التي تعتبر ظاهرة غير معهودة على مستوى الشرق الأوسط حيث يمكن اعتبارها هدف استكشافي ثانوي على اقل تقدير.
‏د. تطوير جيل جديد من الاتفاقيات التي تمنح الشركات الاستكشافية الحق في تقاسم الغاز مع الدولة والذي يعتبر عاملا مشجعا لهذه الشركات، خاصةً بعد ظهور اكتشافات غازية في مناطق جديدة بحضرموت والمهرة وشبوة .
‏ه . تدني كلف إنتاج النفط في الحقول البرية مقارنة بكثير من الدول الأخرى.
‏و. وجود ثلاثة موانيء للتصدير، يقع اثنان منها على البحر العربي و الثالث على البحر الأحمر، ترتبط بمواقع تجميع النفط في الحقول المختلفة عبر مئات الكيلومترات من خطوط الأنابيب.

‏ثالثا. العمل على توسعة الأنشطة الاستكشافية فى المنطقة الواعدة الواقعة خارج نطاق منطقة التنمية والإنتاج في قطاع مأرب - الجوف وغير المدروسة بشكل جيد.
شروط اتفاقية المشاركة في الإنتاج في قطاع مأرب الجوف , المختلفة عن بقية الاتفاقيات أدت إلى إبقاء جزء كبير من مساحة هذا القطاع الهام والحيوي شبه مجمد إذ اقتصرت الأعمال المنفذة في معظم مساحته على عدد قليل من المسوحات الزلزالية وحفر عدد قليل من الآبار، ويمكن تقسيم هذا القطاع إلى منطقتين منطقة إنتاجية تركزت فيها أعمال التطوير والإنتاج والاستكشاف ومنطقة استكشافية، وهي أكبر بكثير من المنطقة الإنتاجية،حيث لم ينفذ فيها إلا القليل من الأنشطة رغم أن نتائج الآبار القليلة المحفورة كانت جيدة الأمر الذي يؤدي إلى التكهن بوعودية هذه المنطقة .
ومنذ استلام شركة صافر لهذا القطاع في نوفمبر 2005م قامت بأعمال الإنتاج والتطوير والاستكشاف بشكل جيد.
إن الاستثمارات النفطية في تلك المنطقة مهمة ولكنها في نفس الوقت تتطلب جهوداً وإمكانيات مالية وبشرية ومقدرة فنية كبيرة, ويشكك بعض المهتمين في القضايا النفطية بالإمكانية المالية لشركة صافر إذ أن ما يمكن أن تحصل عله الشركة هو ميزانية محدودة لتنفيذ أنشطتها في الرقعة الإنتاجية , أما ما يتعلق بالبرامج الاستكشافية فيشكك الكثيرون في إمكانية تمويلها وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط. ويسود الاعتقاد بأن ما يمكن الحصول عليه هو ميزانية لتنفيذ برامج استكشافية محدودة الأمر الذي يجبر الشركة على وضع برنامج طويل الأجل لتنفيذ عمليات المسح والحفر والتطوير ومن ثم الإنتاج من تلك المساحة الشاسعة وهذا يعني تأخير الإنتاج من هذه المنطقة لمدة قد تكون طويلة. لتمكين شركة صافر من تكثيف الأنشطة في تلك الرقعة ينبغي حصولها على ميزانيتين الأولى لأعمال التطوير والإنتاج والاستكشاف في الرقعة التطويرية الحالية والأخرى لأعمال الاستكشاف في الرقعة الاستكشافية.
الخيار الآخر، وفي حالة عدم تمكين شركة صافر من القدرات اللازمة لاستغلال ذلك الجزء وصولاً إلى اكتشافات سريعة وتعويض الانخفاض في الإنتاج، هو تقسيم تلك المنطقة (الرقعة الاستكشافية) إلى قطاعات مدروسة تعرض للترويج وتدخل شركة صافر طرفاً مع المقاول ومشغلاً إذا تم الاتفاق على ذلك , ومن مزايا هذا الخيار:
تكثيف الأنشطة الاستكشافية في ذلك الجزء الأمر الذي قد يؤدي إلى اكتشاف النفط و/أو الغاز في مدى زمني معقول.
استفادة شركة صافر من العمل المشترك والإحتكاك بالشركات ذات الخبرة مما يساعد على نقل التكنولوجيا وبناء الكادر القادر على تحمل مجمل أعمال التشغيل الميدانية والإدارية.
‏رابعا. وضع خطط لتطوير وإنتاج النفط الثقيل من القطاعات التي تم فيها اكتشافات هذه النوعية من النفط، سواءً من قبل الشركات المشغلة أو بطريقة المخاطرة المنفردة إذا أجازت اتفاقيات المشاركة في الإنتاج ذلك أو بطريقة أخرى تتفق عليها الإطراف المعنية بهذا الشأن.
‏ من المعروف أن طرق تطوير حقول النفط الثقيل واستخراج النفط منها تختلف عن مثيلاتها قي حقول النفط الاعتيادية، ففي النوع الأول يتم حفر آبار إنتاجية أكثرعدداً وأقرب مسافة بين تلك الآبار وكذلك يتم حفر آبار لضخ الأبخرة والمواد الكيماوية بالإضافة إلى المعالجات التي من شأنها تخفيف لزوجية النفط و سهولة تدفقه إلى الآبار الإنتاجية، وهي معالجات غبر مطلوبة في المراحل الأولى من إنتاج النفط الخفيف. كما تختلف طرق نقل وتكرير وتسويق النفط الثقيل مقارنة بالخفيف الأمر الذي يجعل عملية إنتاج هذا النوع أكثر كلفةً وأقل جدوى خاصةً إذا كانت الاحتياطيات صغيرة.
‏‏وقد اكتشف النفط الثقيل في اليمن في عدة حقول ضمن ‏حوض السبعتين وحوض سيئون - المسيلة وبناء على المعطيات المتوفرة فأن حجم بعض حقول النفط اليمني الثقيل المكتشف ليس صغيرا الأمر الذي يعني احتياطيات كبيرة نسبيا.
انطلاقا مما ذكر فان الاهتمام بوضع خطه مشتركة مع المشغل لاستغلال هذه الثروة ذو أهميته قصوى للإسهام في معالجة مشكلة هبوط الإنتاج.
‏خامسا. المزيد من البحث والتنقيب عن المكامن النفطية غير المألوفة في طبيعتها الجيولوجية وذات الانتشار المحدود و نعني مكامن صخور الأساس التي عادة ما تتكون من الصخور النارية و الرسوبية المتحولتين وكذلك مكامن أخرى ذات صلة بالشعب المرجانية قديمة التكوين(الصخور الجيرية) ... وغيرها.
في عام 993 ‏1م أكتشف النفط من صخور الأساس ذات التشققات الدقيقة عن طريق الصدفة في حقل سونة قطاع المسيلة ، و ذلك من قبل شركة كنديان نكسن وقد تلتها شركات أخرى مشغلة لقطاعات مجاورة، ثم توالت الاكتشافات في قطاع اخر يقع في حوض السبعتين في محافظة شبوة وبهذه الاكتشافات بلغ إنتاج اليمن ما نسبته اكثر من 20% من نفطها من هذه المكامن وتعتبر أول دولة منتجة للنفط من مكامن صخور الأساس في المنطقة.
تأتي أهمية البحث عن هذه المصايد النفطية كون :
‏أ. رقعة انتشاره واسعة و ممكن ان تتواجد في معظم الاحواض الميزازويك .
‏ب. نوعية الهيدروكربون المنتج من هذه المكامن جيدة حيث النفط الخفيف والمكثفات والغاز.
ج. لم ‏يظهر الماء المصاحب للنفط المنتج من هذه الطبقة حتى اليوم .
‏د. الصفات المكمنية جيدة.
‏ه. مجموع سمك الطبقة المنتجة من صخور الاساس قد تصل الى اكثر من 60 متر.
‏و. لم يعرف الي اليوم خط الالتماس بين النفط و الماء (OWC ) مما قد يعطي انطباع عن كبر حجم المخزون.
‏مقابل تلك المزايا فإن البحث عن النفط في صخور الأساس يتطلب الكثير من الاعمال الاضافية التي تؤدي الى زيادة في كلفة الاستخراج و منها :
‏ا . استخدام أحدث التكنولوجيا لتحديد أماكن الصخور ذات التشققات الرأسية وشبه الرأسية والفجوات وإمكانية تخريطها ومعرفة طبيعة مكوناتها المعدنية mineral compounds )) .
2 ‏. القيام بحفر آبار عميقة للوصول إلى هذه المكامن حيث تصل بعض الأعماق إلى 4500-5000 مترمن سطح الأرض.
3 ‏. استخدام الحفر المائل أو الافقي وذلك للتمكن من استخراج أكبر قدر ممكن من النفط الكامن في الشقوق الرأسية وشبه الرأسية .
‏مما تم ايضاحه يظهر بأن مجال البحث عن هذه المكامن لا زال واسعا و إمكانية الحصول على النفط من هذه الصخور ما زال كبيراً ، ولهذا فعلى الشركات التي تهدف بدرجة اساسية الى التنقيب عن النفط في الصخور الرسوبية ان تضع نصب أعينها أهمية الاستكشاف عنه في مكامن صخور الأساس.
على المستوى الوطني فإن العمل المشترك بين هيئتي استكشاف و إنتاج النفط و المساحة الجيولوجية والاستفادة من المختبرات الفنية لدى الاخيرة و خبراتها التراكمية في مجال دراسة جيولوجية صخور الاساس أمر في غاية الاهمية لان كل ذلك سيساعد على رفع وتنمية المهارات اليمنية في مجال البحث العلمي و تنمية القدرات، ومن الأهمية الاستفادة القصوى من خبرة الشركات التي لا زالت تعمل اليوم في اليمن في مجال الاستكشاف في صخور الأساس على مستوى العالم ، كشركة توتال التي تعمل في فيتنام، اكبر بلدان العالم إنتاجا للنفط من صخور الاساس.
في موضوع آخر وعلى نفس الصعيد، توجد في اليمن كما توجد في كثير من مناطق العالم ‏نوع آخر من المكامن غيير المألوفة في طبيعتها الجيولوجية وهي تراكيب كربونية ( carbonate build up‏) تتكون من الشعب المرجانية المتحجرة والمشبعة بالمسامات.
‏إمكانية تواجد تراكيب من الشعب المرجانية القديمة في الاحواض الرسوبية في اليمن بدأت في الثمانينات عندما اعتبرت شركة التنقيب السوفيتية إن تكوينة الشعيبة (الكريتاسي) في شمال حضرموت عبارة عن صخور من الشعب المرجانية . تلى ذلك الدراسة التي قمت بها لنيل شهادة الدكتوراه في عام 987 ‏1م حيث وضعت احتمالات وجود مثل هذه المكامن على اطراف الجناح الشرقي من حوض السبعتين الجنوبي وعلى جوانب من المرتفع الجيولوجي الاوسط في منخض شبوة من خلال أعادة تصور لجغرافية حوض السبعتين الجنوبي و دراسة التاريخ الجيولوجي للمنطقة.
في عام 2001‏م تم اكتشاف حقل نفطي في الشعب المرجانية عند حفر بئرعقبان - ا في قطاع مالك قي حوض سيئون - المسيلة، و قد وجد من خلال التحليل ‏بان الطبقات الحاوية على النفط هي من الحجر الجيري - الشعب المرجانية (الجيوراسي) .
تم مؤخراً ظهور الكثير من هذه التراكيب التي يعتقد بأنها من الشعب المرجانية في ذات الرقعة التي تم فيها اكتشاف حقل عقبان وذلك من خلال تحليل و ترجمة مقاطع من تسجيلات المسوحات الزلزالية، ومن المحتمل اكتشاف خاصية بتروغرافية افضل و أقدر على الإنتاج النفطي.
‏سادسا. التعامل مع الآبار النفطية قليلة الإنتاج و الناضبة من خلال رفع وتيرة الإنتاج اليومي ‏باستخدام طرق الاستخراج الثانوي والاستفادة من التكنولوجيا الأكثر تطوراً في هذا المجال مع وضع البرامج العملية القابلة للتنفيذ.hfarr
من الادوات الهامه التى يمكن استخدامها في زيادة القدرة الإنتاجية للابار النفطية هو« تحسين معامل استخراج النفط من المكامن» فمن المعروف ان إنتاجية الآبار النفطية عامة تقل تدريجيا مع طول فترة الاستغلال التي تعتمد على الاحتياطيات النفطية للمكامن وأنه لا يمكن استخراج النفط من مكامنه بشكل كلي ففي احسن الحالات يتبقى 30% من الاحتياطي النفطي في المكمن . والنسبة بين ما يمكن استخراجه الى السطح والمخزون في باطن الارض يسمى بمعامل الاستخراج (recovery factor) ويعتمد هذا العامل على نوعية قوة الدفع فعند افتقار المكمن لهذه القوة نلجأ عندئذ الى استخدام طرق وتقنيات مختلفة لاستخراج النفط أهمها:
‏ا . تقنية الحقن بالماء او الفيضان المائي.
2 ‏. طريقة الحقن بالغاز.
3 ‏. طرق الرفع الصناعية.
‏لقد اثبت في كثير من حقول العالم بان هذه الطرق مفيدة للغاية لتحسين معدلات الإنتاج و خاصة الفيضان المائي. إن استخدام هذه التقنية يتطلب مصادر مياه وفيرة ومنشآت لمعالجتها و مختلف معدات الحقن .
‏ان وضع خطة لتحسين كفاءة الإنتاج في مثل تلك الابار امر غير سهل فهو يتطلب معرفة السجل الخاص بالاباروكفاءة اعمالها منذ البداية والعمل على توفير مصادر المياه وما يتبع ذلك من الوسائل الضرورية و أرى كما يرى الكثيرون بأنه من المستحسن قبل الشروع في العمل الميداني البدء بمشروع تجريبي لتتبين الامور و معرفة نقاط الضعف وتلافيها عند تنفيذ الخطة الشاملة .
‏ومن المفيد الإشارة إلى حاجتنا إلى وضع مثل هذه الخطة لتحسين معامل استخراج النفط قبل انتهاء اتفاقيات المشاركة في الإنتاج واستلام الدولة للقطاعات المعنية إذ من المعلوم أن المشغلين في القطاعات التي تنتهي اتفاقياتها قريباً تقوم بمراقبة الضغوط في بعض الابار الإنتاجية و العمل على صيانتها و ذلك للحفاظ على مستوى الإنتاج.
‏سابعا. سرعة الإعداد والتحضير اللازمين لاستلام قطاعي المسيلة وشرق شبوة
من المعروف ان2011م و2012 م ‏هي اعوام نهاية فترة اتفاقيتي المشاركة في الإنتاج بين الدولة وكل من شركتي كنديان نكسن قطاع المسيلة و توتال قطاع شرق شبوه على التوالي . ويعتبر هذان القطاعان من القطاعات المهمة جداً كون إنتاجهما يشكل رقماً كبيراً ضمن الإنتاج العام لليمن و ينتج النفط من القطاعين من مكامن الصخور الرسوبية و صخور الاساس ايضا. يذكر ان الاكتشافات الاخيرة للنفط الخفيف والغاز التي تمت من قبل شركة توتال في قطاع شرق شبوه هي من صخور الاساس الأمر الذى يشكل اهمية مستقبلية اكبر لهذا القطاع.
استلام القطاعات امر يحتاج إلى الإسراع في و ضع برنامج زمني محدد و اختيار الفريق الجيد الذي سيشغل المناصب الادارية العليا التي تمثل الرأس المدبر في تشغيل القطاع وتنتظرهم مهام ليست باليسيرة، ففي قطاع المسيلة يكمن أكبر تحدي في إنتاج النفط هوالماء المصاحب حيث يصاحب إنتاج برميل واحد من النفط حوالي عشرة براميل من الماء المصاحب و لهذا على الدولة البحث عن أفضل الخيارات التشغيلية بما في ذلك خيار الإستعانة بشركة او أفراد من ذوي الخبرة و الكفاءة العالمية العالية في التشغيل الصعب في المراحل الاولى من التشغيل إلى أن يكون الكادر اليمني قادراً ‏على ملء هذا الفراغ .
‏ثامنا. إلزام بعض الشركات النفطية بسرعة بناء الأنابيب بدلاً من نقل النفط على ظهور الناقلات.
ان بعض الشركات المنتجة تنقل إنتاجها النفطي من محافظتي شبوة وحضرموت على ظهور الناقلات صوب مراكز التجميع في محافظة مأرب وهذه العملية تكلف الكثير من المال بالاضافة إلى تأخر عملية رفع الإنتاج إلى المستويات المخطط لها ناهيكم عن تلوث البيئة نتيجة للنقل بالقاطرات وهذا كله لا يصب في صالح الدولة.
‏ تاسعاً. مقترحات إضافية.
‏من خلال ما تم استعراضه وبهدف اكتمال الرؤية هناك بعض القضايا الإضافية نلخصها فيما يلي :
‏1. هناك بعض الإمكانات الإنتاجية فى اليمن لم تستغل بعد ومن الممكن استغلالها بالاستعانة بكوادرنا محلية وبالاستفادة من شركة او شركات استشارية متخصصة في قضايا الاقتصاد و الادارة النفطية.
‏2. فى الوقت الذى تتم فيه الاستعدادات لجذب الاستثمارات الجديدة في مجال الاستكشافات النفطية و خاصة في المواقع البحرية والاستعدادات لاستلام القطاعات المنتجة من بعض الشركات التي ستنتهي اتفاقياتها مع الدولة يتطلب في ذات الوقت الاهتمام والتفكير الجدي في إعادة بناء الكوادر المحلية وتدريبها خاصة في المجالات التي ‏تحتاجها المرحلة القادمة كالاقتصاد النفطي وإدارة العمليات والقانون النفطي والهندسة الميكانيكية البترولية والجيولوجيا البحرية ....وغيره.
3. ضرورة إقتناء البرامج المتخصصة وخاصة تلك التي تساعد على معالجة قضايا التعامل مع المكامن النفطية بكل اشكالها مع الاهتمام بالبحث العلمي بشكل جدي.
‏4. ان الاهتمام بربط كوادر هيئتى استكشاف وإنتاج النفط والمساحة الجيولوجية من خلال مشاريع فنية وأكاديمية مشتركة امر لا يمكن الاستغناء عنه سواء في مواضيع البحث و التنقيب المشترك عن النفط في صخور الاساس على سبيل المثال أو في غيرها فالمجالات كثيرة والمنافع أكثر .
‏5. ان ثقافة تداول المعلومات المتاحة والممكنة في إطار مهندسي الهيئتين و استخدامها لغرض البحث و الدراسة امر لابد من الاعتناء به وتشجيعه معنويا و ماديا.
--------------------------
*د. رشيد صالح بارباع عضو مجلس الشورى وزير النفط والمعادن السابق "2001-2006 " .
حاصل على الماجستير والدكتوراه في الجيولوجيا في الأعوام 1979 و 1987 على التوالي من مدينتي باكو و موسكو بتخصص : البحث والتنقيب عن النفط والغاز .
أحد مؤسسي الجمعية الجيولوجيا اليمنية " YGS" ورئيسها حاليا .
عضو جمعية جيولوجي البترول الأمريكية " AAPG " .
عضو الجمعية الجيولوجيا الأمريكية " GSA " >
عضو الجمعية الأوروبية لعلماء اللآرض والهندسة " EAGE " .

 


 

مواضيع ذات صلة :