آراء وأقلام نُشر

الفساد العابر للحكومات

 

 

استطاعت ثورة الشباب في‮ ‬اليمن أن تزلزل عرش النظام السابق وتهدًّ‮ ‬أركانه في‮ ‬الداخل وتقضي‮ ‬على تحالفاته الإقليمية والدولية جملة وتفصيلا‮! ‬لكن لم تستطع حكومة ودولة ما بعد الثورة أن تقتلع الفساد الذي‮ ‬كان ولا‮ ‬يزال‮ ‬يعشعش في‮ ‬كل مفاصل الحكم والحكومة‮!‬

أخطر ما في‮ ‬الموضوع أن الفساد كان موجودا بإرادة النظام وتحت رعايته‮! ‬ولذلك استفحل في‮ ‬جسد البلاد كفيروس تم السماح له بالتخلق في‮ ‬بيئة الدولة وحين كبر واشتد عوده خرج عن السيطرة حتى بات النظام عاجزا عن إيقافه ولو مؤقتا عند حد معين‮! ‬لأن الفساد قد أصبح أكبر من النظام‮! ‬بل لدرجة أن الفساد أمسى قادرا تماما على الإطاحة بهذا النظام‮.. ‬حين‮ ‬يأتي‮ ‬الوقت المناسب‮!‬

ولأن فيروس الفساد المالي‮ ‬بفريقه الإداري‮ ‬كان‮ -‬كالأرضة‮- ‬التي‮ ‬تأكل البنيان القائم على الخشب والورق والكرتون‮! ‬فقد جاء طوفان الثورة على منزل متهالك قد أكلته الأرضة‮! ‬إلا من أهل البيت القادرين على العيش بمنزل آخر‮!.‬

كانت كل مؤسسات الدولة إما عاطلة أو معطلة أو صورية الاسم والأداء وبخاصة منها المرتبطة بمكافحة الفساد كالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد-التي‮ ‬لم تكافحه حتى اليوم‮- ‬والجهاز المركزي‮ ‬للرقابة والمسامحة‮- ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يحاسب أحدا‮- ‬والبرلمان الذي‮ ‬شرَع كثيرَا‮- ‬ولم‮ ‬يراقب أبدا‮-.‬

وحدها مؤسسة الفساد هي‮ ‬التي‮ ‬كانت تعمل بكل طاقتها وبكامل فريقها فضلا عن المتطوعين والموجودين على قائمة الانتظار من صغار الموظفين والمسؤولين الذين‮ ‬يتم توظيفهم وتعيينهم بالوساطة والمحسوبية وتلفونات آخر الليل لتتاح لهم فرصة الالتحاق والمشاركة بالعمل المؤسسي‮ ‬للفساد‮!!‬

ببساطة‮.. ‬كانت البلاد تمضي‮ ‬بلا مشروع وكان الأمر‮ ‬يدار من‮ ‬غير أهله‮! ‬فيما كان فريق الكفاءات والمحترفين التكنوقراط المقتدرين في‮ ‬كل مجال تحتاجه مؤسسة الرئاسة وأجهزة الحكومة‮ ‬يرفعون أصواتهم وتكتب أقلامهم ثم‮ ‬يتفرجون بحسرة من لا حول له ولا قوة‮.. ‬حتى‮ ‬يأتي‮ ‬الوقت المناسب‮!‬

فهبت اليمن بوثبة واحدة من كل أبنائها العاطلين والمظلومين والفقراء والمشايخ والقبائل والنساء ترافقهم جميعا الكفاءات والمحترفون والمثقفون وأساتذة الجامعة وطلابهم الحالمون بفرصتهم في‮ ‬الحياة التي‮ ‬انعدمت في‮ ‬عهد صالح‮!! ‬

الفساد كان هو الوقود الذي‮ ‬أشعل الثورة ضد النظام الذي‮ ‬تجاهل كفاءات البلد المحترفين وتركهم لمصير الهجرة‮ -‬إن استطاعوا‮- ‬أو متفرجين من الداخل بحسرة‮! ‬حتى كادت أبواب الأمل تغلق في‮ ‬وجه المحترفين والكفاءات والخبراء داخل اليمن‮ -‬إلا باب الأمل بالله‮- ‬أما النظام الذي‮ ‬بدأ سنواته الأولى‮ ‬غير راغب في‮ ‬التغيير ولا مستوعب له،‮ ‬فقد كانت سنواته العشر الأخيرة على الأقل تجزم بشكل مطلق بعجزه الكامل عن القيام بهذا التغيير حتى لو أراد‮!!‬

وهو بالضبط ما دفع بالكفاءات والمحترفين‮ -‬كل من موقعه وبطريقته وعلى أسلوبه الذي‮ ‬يجيده-في‮ ‬كل مجال ليتقدموا الصفوف ويرشدوا الخطى ويهدوا السبيل لنجاح الثورة التي‮ ‬أوصلت وزراء حكومة الوفاق إلى مواقعهم التي‮ ‬يشغلونها اليوم‮!‬

وإذا‮... ‬وبجردة حساب عاجلة عابرة هنا أتساءل بحرقة‮.. ‬مالذي‮ ‬تحقق لكفاءات البلد ومحترفيها ومثقفيها الذين رفعوا أصواتهم عالية في‮ ‬وجه الفساد وفضحوا أشخاصه ورموزه وفلسفته‮! ‬فقد مضى عام كامل لأول حكومة وأول نظام بعد الثورة مع وجود نفس المؤسسات التي‮ ‬خلقت لمكافحة الفساد‮!‬

ومع ذلك فاليوم وبعد أكثر من عام على الثورة وقبل سنة على انتخابات البرلمان والرئاسة فإن الكفاءات والمحترفين في‮ ‬هذه البلاد لا‮ ‬يزالون كما كانوا في‮ ‬العهد السابق‮ ‬يرفعون أصواتهم وتكتب أقلامهم ويتفرجون بحسرة مضاعفة‮! ‬ولسان حالهم قول الله تعالى‮ »‬ثم ارجع البصر كرتين‮ ‬ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير‮«!!.‬

ولذلك فأمام الحكومة وأحزاب المشترك والنظام بأن لا‮ ‬يتركوا الفساد وحده‮ ‬يعمل فيما تتفرج الكفاءات من خارج الأجهزة والمؤسسات‮!! ‬لأنهم-مؤخرا‮- ‬استبدلوا وزراء بآخرين مثلهم-لا أكثر ولا أقل‮-!‬

فالملاحظ بعد أكثر من عام على الحكومة والرئاسة أن صبر النخب وحبهم وتقديرهم‮ -‬وما كان من اخلاصهم ووولائهم‮- ‬يتناقص‮ ‬يوما بعد آخر‮! ‬إن لم‮ ‬يكن‮ ‬يتآكل من أطرافه كما تتآكل الروح حين تتسرب من الجسد قبل رعشة الموت‮! ‬فيما تتناهشهم مرارة الإحساس بالخذلان‮!‬

فما أكثرها اليوم الأصوات والأسماء النظيفة المقبولة من الجميع والتي‮ ‬لم تتغيب‮ ‬يوما في‮ ‬ساحة مكافحة الفساد وفضح رموزه إذا بهم اليوم وقد توجهت بوصلة أصواتهم وأقلامهم الناقدة ووسائل إعلامهم الساخطة جدا باتجاه أحزاب المشترك وحكومة الوفاق‮!‬

ما الذي‮ ‬يدعو حكومة الوفاق وأحزاب المشترك إلى الاطمئنان حيال ما‮ ‬يجري‮ ‬من تجاهل الكفاءات والمحترفين وإهمالهم وكأنهم مجرد ظاهرة صوتية ستنطفئ مع الوقت،‮ ‬أو فقاعات هوائية مصيرها عاجلا أو آجلا أن تتبخر في‮ ‬الفراغ‮ ‬الذي‮ ‬تركوا‮ -‬عمدا‮- ‬ليدوخوا فيه‮!‬

لا‮ ‬يلوح أمام العين المجردة وحتى العين المخبرية الفاحصة أن هناك برنامجا احترافيا‮ ‬يستوعب القدرات ويسند لها المهام لتقوم حكومة الوفاق-بهم ومعهم‮- ‬بمكافحة الفساد بإسناد الأمر لأهله في‮ ‬الأجهزة والمواقع الحساسة‮!‬

وببساطة‮.. ‬يكاد‮ ‬يتأكد للجميع أن اليمن لا‮ ‬يزال‮ ‬يمضي‮ ‬بلا مشروع‮!‬


 

مواضيع ذات صلة :