جدل وتحقيقات نُشر

احتياجات رمضان همٌ يؤرق الأسر اليمنية

طابع مختلف يتسم به شهر رمضان في اليمن، فإلى جانب المظاهر الدينية التي تتحلى بها الأسر في رمضان، تبرز لهذا الشهر الكريم طقوسه المتعلقة بالحياة الاقتصادية، حيث تجتهد الأسر اليمنية مع قرب رمضان في الإعداد والترتيب لمتطلبات الشهر الكريم، وفي رمضان تتفق أغلب الأسر اليمنية على أنه شهر يتطلب منها مزيداً من الإنفاق، خاصة أن هناك سلعاً ترى هذه الأسر أنها أساسية في رمضان في حين تكون كمالية في بقية أشهر السنة، وفي ظل تردي الأوضاع في اليمن تبرز هذه الاحتياجات مسألة معقدة تثقل كاهل كثير من الأسر اليمنية.
الأطفال في اليمن لهم نصيبهم من هذا الهم، فتجدهم يستقبلون رمضان بمجموعة من الأهازيج التي تضفي على الشهر الكريم مزيجاً من روحانيته، ومن هذه الأناشيد والأهازيج التي تصدح بها حناجر الأطفال في كثير من المناطق اليمنية تنقل لك صورة عن احتياجات هذا الشهر الكريم للمال والسلع المختلفة وتستقرئ من أهازيج الأطفال دورهم في مشاركة الأسر هذا الهم الاقتصادي، ومن تلك الأهازيج:
يا رمضان يأبو الحمائم.. أدي لأبي قرعة دراهم
يا رمضان يأبو المدافع.. أدي لنا مخزن بضائع
هذا يردد الأطفال أناشيدهم المفضلة في الشهر الكريم طالبين من الشهر الذي تتفق فيه الأسر اليمنية أنه شهر الخير والعطاء والرزق، الدراهم والبضائع التي تمكنهم من الاستمتاع بأجواء هذا الشهر الكريم.
محمد حسن- مدرس- يقول بأن شهر رمضان لا يختلف كثيراً عن بقية شهور العام في متطلباته، إلا أنه شهر ينظر إليه التجار بأنه موسماً للبيع والشراء ويلجأون إلى رفع الأسعار، كما أن هناك ممارسات سلبية أخرى يقوم بها البعض تتمثل باختلاق الأزمات كأزمة الغاز.
من جانبه منير أحمد- موظف قطاع خاص- يرى أن الأزمة التي تعيشها اليمن انعكست سلباً على حياة المواطن اليمني، وجاء رمضان والناس في أزمة حقيقية تتمثل بارتفاع الأسعار، وضعف الدخل وينعدم لدى أغلب الأسر اليمنية، خاصة أن هناك الكثير من المواطنين فقدوا أعمالهم بسبب الأحداث التي تعيشها اليمن.
يوافقه الرأي سمير اليافعي –عامل حر- ويقول أن المواطن في الأعوام السابقة هو من يتسبب في خلق أزمات اقتصادية، كونه يزيد الطلب على السلع الأساسية بكميات كبيرة، إلا أن هذا العام الوضع مختلف فالأسعار غير مستقرة، كما أن هناك احتكار دون وجود رقابة جراء غياب دور الدولة ومؤسساتها.
ارتفاعات سعرية
وكانت أسعار بعض المواد الغذائية كالقمح والدقيق والسكر والزبادي والحليب ومشتقاته قد ارتفعت بنسب تتراوح بين 40-60%، فيما ارتفعت أسعار مياه الشرب بنسبة 202% وأسعار التنقلات بنسبة تصل إلى 60%، وفقاً للدراسة الميدانية التي أعدها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وبينت الدراسة أن الأوضاع المعيشية للمجتمع اليمني تزداد سوءاً، خاصة أن عشرات الآلاف من الأسر اليمنية الفقيرة دخلت مرحلة الجوع وهي عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات الغذاء الأساسية، وحذرت الدراسة من كارثة غذائية في اليمن جراء انقطاع المشتقات النفطية والكهرباء وارتفاع مخيف في أسعار السلع والخدمات في اليمن، حيث ارتفعت
وأكدت الدراسة أن أسعار المشتقات النفطية كالبنزين والديزل وصلت مستويات غير معقولة حيث بلغت نسبة الارتفاع ٪900 في السوق السوداء، متجاوزة الأسعار العالمية بكثير، الأمر الذي أدى إلى زيادة في أسعار جميع السلع والخدمات بنسب متفاوتة، وتوقف كثير من القطاع الاقتصادية وبعض الأنشطة الخدمية.
وتوصلت الدراسة الميدانية إلى أن الارتفاعات السعرية تضع 9 ملايين من اليمنيين الفقراء غير قادرين على الوصول للغذاء.
الحكومة تطمئن
وقبيل دخول الشهر الكريم سارعت الحكومة إلى طمأنت مواطنيها بشأن احتياجات والمتطلبات الغذائية والتموينية لشهر رمضان بأنها ستكون متوفرة، مؤكدة في تقرير لها أن المواد الغذائية والسلع التموينية متوفرة وبكميات كبيرة وان المخزون منها يكفي لعدة أشهر قادمة ما يؤكد عدم حدوث أية اختلالات تموينية، مبينا أن عملية نقل المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية من الموانئ إلى العاصمة والمحافظات تسير بشكل طبيعي.
وأشار التقرير إلى التنسيق القائم بين وزارة الصناعة والتجارة والغرف التجارية الصناعية والقطاع الخاص الوطني لضمان استمرار الاستقرار التمويني وتخفيف الأعباء المعيشية الناجمة عن الأزمة الحالية على المستهلكين، ورغم هذه التأكيدات إلا أن الحكومة لم تضع حداً للأسعار المرتفعة يوماً تلو آخر.
وكان مصدر في وزارة الصناعة والتجارة قد أوضح أن السلع الاستهلاكية الأساسية تجد نوعا من الاستقرار التمويني، مع ارتفاع حاد في الأسعار، مبيناً أن حركة التجارة تأثرت بشكل كبير نتيجة لانخفاض الريال اليمني مقابل الدولار.
وأضاف: “في بداية الأزمة كان الدولار يعادل 214 ريالا يمنيا، أما الآن فيتراوح سعره بين 236 و240 ريالا يمنيا، مؤكدا أن انخفاض الريال اليمني مقابل الدولار إلى جانب الارتفاع العالمي في الأسعار بالإضافة إلى الزيادة في تكلفة النقل جميعها أسباب أدت إلى الزيادة في أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 70%”.
وأكد تأثر حركة التجارة والذي تسبب في عجز الكثير من الأشخاص عن فتح الاعتماد والالتزامات التجارية السابقة لعدم توفر السيولة الأزمة، فكثير من السلع تعتمد في تشغيلها على الكهرباء، والتي تعتبر في حد ذاتها في اليمن مشكلة أخرى، مبينا أنه يتم توصيل الكهرباء لفترات وجيزة لا تتجاوز في بعض الأحيان النصف الساعة في اليوم.
الأسواق في رمضان
تشهد الأسواق اليمنية في شهر رمضان حراكاً تجارياً متزايداً أدى إلى انتعاش القوة الشرائية في معظم السلع والمنتجات، فيما مثلت الأيام الأولى من الشهر الكريم قمة الذروة في انتعاش الأسواق جراء إقبال كافة الأسر والمواطنين في تجهيز متطلباتهم لشهر رمضان من مستلزماته الغذائية مما يتطلب زيادة في الطلب على الكثير من السلع، حالة التكالب من المواطنين ولهثهم وراء الإيفاء بمتطلبات شهر رمضان في الأيام الأولي تنعكس بصورة مباشرة على الأسواق في تزايد إعداد المتسوقين في المحالات التجارية وبالتالي ظهور حالة تذمر من قبل الموطنين جراء ارتفاع أسعار الكثير من المواد الغذائية وبطريقة غير مدروسة.
ويشكو العديد من المواطنين من تفاقم حالات زيادة الأسعار في الأسواق خاصة مع بداية دخول شهر رمضان الكريم لهذا العام وفي ظل متغيرات الأوضاع السياسية باليمن ، وطالبوا الأجهزة المعنية بالقيام بدورهم في ضبط أسعار المواد الغذائية وكانت قد شهدت أسواق اليمن ارتفاعا مفاجئا في أسعار الكثير من السلع والمواد الاستهلاكية بالرغم من حالة الركود التي سادت السوق منذ فترة ليست بالقصيرة،ليقفز سعر الكيس السكر من (11000)ريالا إلى (13800) ريالا، فيما قفز سعر القمح من (4500) إلى (5800) ريالا و سعر الكيلو دقيق ابيض من 120ريالا إلى 180 ريالا، ووصل سعر جالون الزيت إلى (2180) ريالا فيما بلغ سعر الكيلو الأرز من نوعية مزة لـ(300) ريلا و(80) ريالا لعلبة الحليب واعتبر الموطن المستهلك بان هناك زيادة كبيرة في الكثير من السلع والبضائع خلال الأيام الماضية بسبب ارتفاعها في أسواق الجملة ومناطق التوزيع .
إن الأسواق اليمنية أصبحت في حالة غير مستقرة في الآونة الأخيرة ما بسبب عدم انتظام الأسعار التي سادت الأسواق في الآونة الأخيرة ما أسهم في تأزم الوضع لدي المستهلكين، وبين احد التجار أن ارتفاع الأسعار يرجع إلى شحة الوارد من السلع والمنتجات لاسيما المواد التي تشكل المواد الغذائية وان هناك العديد من العوامل والمسببات أدت إلى ارتفاع الأسعار أهمها الأوضاع السياسية وكثرة الطلب على المواد الاستهلاكية وتوقف الاستيراد أدت إلى ارتفاع السلع الغذائية.
غياب الدور الرقابي
انتقد الدكتور محمد قايد عبيد -الخبير الاقتصادي- الصمت المريع للجهات المختصة في القطاع الحكومي والخاص جراء مساجلته العديد من السلع الاستهلاكية بالسوق المحلي من ارتفاعات متباينة خلال الأشهر الماضية والشهر الحالي، والتي وصلت ذروتها إلى 40% مما أثار قلقا شديد لدى المستهلك اليمني وتأتي هذه الظروف في ضل تراجع القوة الشرائية للريال اليمني خلال الفترة الأخيرة وما زالت ارتفاع الأسعار يشكل هاجسا مخيفا لليمنيين في ضل عدم ضبط الأسعار الاستهلاكية بالأسواق المحلية، وفي تصريحٍ لصحيفة مال وإعمال أكد أن الممارسات التي يقوم بها بعض التجار بأنها لا أخلاقية, وأضاف: «كان الأحرى بوزارة الصناعة والتجارة أن تضع خطة لإيقاف موجات الغلاء المستمرة بسبب مطامع بعض التجار».
وقال عبيد: “كثيرا ما نسمع عبر الوسائل الإعلامية عن وجود جمعيات لحماية المستهلك ولكنها للأسف فضلت الصمت جراء ارتفاعات الأسعار التي أنهكت المستهلك ولم تصدر ولو بياناً تدين فيه حملات رفع الأسعار التي يقوم بها التجار في بعض السلع وان تقوم تلك الجمعيات برصد الكثير من التجاوزات المتمثلة برفع أسعار السلع والحد من التجاوزات الظالمة من التجار وفضح ممارسي هذه التجاوزات”.
مبيناً أن المستهلكين ينتظرون الكثير من الجمعيات و الجهات المسئولة عن معالجة ارتفاع الأسعار, وتوعية المستهلكين ولو بنشرها قائمة سوداء بالتجار الذين يستغلون الظروف برفع الأسعار ولا يتعاملون بإخلاص ونزاهة مع أساسيات أسعار السلع الاستهلاكية ويتعمدون استغلال حاجة المستهلك برفعهم الأسعار بطرق جائرة.
واقترح عبيد على وزارة الصناعة تشديد الرقابة على وكلاء السلع ( المستوردين الأساسيين ) المتحكمين في الأسعار؛ ومن خلالهم يمكن ضبط قطاع التجزئة خاصة وأنهم يعتمدون في التسعير على سعر الوكيل، خاصة أن وكلاء السلع المستوردة في اليمن محدودون، ويمكن للوزارة وبالتعاون مع الغرف التجارية السيطرة عليهم، ومتابعة أسعارهم، إضافة إلى إيجاد جهة يمكن اللجوء إليها للتبليغ عن تجاوزات الأسعار بسهولة، لتفعيل دور المواطن الرقابي؛ كما أن التشهير بالمخالفين قد يؤدي إلى ردع كل من تسول له نفسه بالتلاعب في الأسعار، والعمل على مراقبة ما يجري في الأسواق في الوقت الراهن وان تركز الوزارة على السلع الأساسية كمرحلة أولى.


 

مواضيع ذات صلة :